ويرى محلّلون أن هذه البنود جاءت في معظمها منتقدةً لأعمال قوات «الدعم السريع»، لكن الأخيرة اكتفت بمكسب عدم تصنيفها كقوّة متمرّدة. وعلى رغم أن الإعلان كان من المفترض أن يدخل حيّز التنفيذ منذ تاريخ التوقيع عليه، إلّا أن «الدعم» ما زالت تسيطر على جميع المرافق الحيوية والأحياء السكنية. وشهدت مدينة الجنينة في ولاية غرب دارفور، صباح أمس، اشتباكات مسلّحة بين الجيش و«الدعم» التي هجمت على شرق المدينة، وصولاً إلى غربها. ولا يَستبعد مراقبون مواصلة قوات محمد حمدان دقلو هجماتها على عدد من المدن في الولايات، وذلك لتشتيت جهود الجيش، وتخفيف الضغط على عناصرها في الخرطوم.
تدرس واشنطن مع حلفائها في المنطقة إنشاء آلية عسكرية وسياسية مشتركة لمراقبة تطبيق «إعلان جدة»
وينظر السودانيون إلى ما جرى الاتفاق عليه في جدة بكثير من اللامبالاة، باعتبار أنه لا يمتّ إلى الواقع بصلة، مستشهدين بعدم التزام الطرفَين بوقف إطلاق النار في الهدن التي وافقا عليها منذ اندلاع الحرب. ويأتي ذلك في وقت لا تزال فيه أعداد المفقودين، منذ بداية الحرب، في زيادة مستمرّة، حيث أحصت «مبادرة مفقود» على وسائل التواصل الاجتماعي العشرات من المناشدات من ذوي المفقودين الذين فقدوا التواصل مع أبنائهم في الخرطوم ومدن الولاية، علماً أنه بحسب إفادات الذين أُطلق سراحهم، فإن هؤلاء كانوا محتجَزين لدى «الدعم السريع».
في المقابل، يرى المؤيدون لـ«إعلان جدة» أن الغرض الأساسي منه في الوقت الراهن هو قطْع الطريق أمام أنصار نظام الرئيس المخلوع، عمر البشير، وخاصة إسلاميّي الجيش الذين يدعون إلى استمرار الحرب وحسم المعركة بالقضاء على «الدعم السريع» مهما بلغت الكلفة والخسائر. ويرى هؤلاء أن التوقيع على الإعلان يساعد على امتصاص حالة التعبئة وسط الجيش ويمنع الانقسامات. ووفق مصدر في الجيش تحدّث إلى «الأخبار»، فإن «إعلان جدة وما قد يتمخّض عنه من هدنة، غير مقبول لدى قطاع واسع في القوات المسلحة مهما كانت النتائج المرجوّة منه». ويوضح المصدر أن «أولئك يرون أن الهدنة ستخفّض من معنويات الجيش، وستمنح قوات الدعم السريع فرصة لترتيب أوضاعها على الأرض ومدّ نفسها بالمؤن والأسلحة والوقود»، مضيفاً إن «الغرض من الإعلان الانسحاب من المناطق المدنية وليس وقف إطلاق النار، وهو ما لن تلتزم به قوات الدعم السريع».
وبدا أن راعيَي الإعلان، الولايات المتحدة والسعودية، يدركان هشاشة ما تمّ التوقيع عليه في حال لم تشكَّل آلية صارمة لمراقبته. وفي هذا الإطار، تدرس واشنطن مع حلفائها في المنطقة إنشاء آلية عسكرية وسياسية مشتركة لمراقبة تطبيق «إعلان جدة». ووفق معلومات صحافية، فإن واشنطن ستقدّم دعماً لوجستياً واستخبارياً عبر وزارة الخارجية، على أن تكون القيادة برئاسة السعودية، وتضمّ ممثّلين عن وزارتَي الدفاع والخارجية الأميركيتَين، بالإضافة إلى ممثّلين عن هيئة الأركان في دول عربية وأفريقية. من جهتها، سارعت «قوى الحرية والتغيير» إلى الترحيب بالاتفاق، معتبرة التوقيع عليه خطوة مهمّة في اتجاه إنهاء الحرب الدائرة منذ شهر. وحثّت الطرفَين على الالتزام الصارم والجادّ به، وصولاً إلى وقف دائم لإطلاق النار. وفي الاتجاه نفسه، رحّبت حركة «جيش تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي بـ«إعلان جدة»، ودعت طرفَي النزاع إلى الالتزام بالهدنة وتطويرها، والبدء بحوار مباشر بغرض الوصول إلى ترتيبات أمنية مرجعيتها «اتفاق جوبا»، والانتقال إلى حوار سوداني - سوداني لا يستثني أيّ طرف للتوصّل إلى توافق سياسي لإدارة المرحلة الانتقالية.