ريف دمشق | لم يكن اليوم الـ130 للمعارك وعمليات الجيش السوري في المليحة في الغوطة الشرقية يوماً عادياً، إذ بعد سلسلة من القصف المركّز والكمائن، انسحب مسلحو «جبهة النصرة» فجر أمس شمالاً نحو عمق الغوطة الشرقية، بعد انسحاب عدد قليل من مقاتلي «جيش الإسلام» قبلهم.
وجاء تقدّم الجيش بعد نجاح عمليته الالتفافية أول من أمس، منطلقاً من محيط مبنى «إدارة الدفاع الجوي» مروراً بجرود زبدين وحتيتة الجرش وصولاً إلى محاصرة المليحة من الجهات الغربية والشمالية، والجنوبية في وقتٍ سابق. وتمكّن الجيش عبر هذه العملية من كسر تحصينات تابعة لـ«جيش الإسلام» في القسم الشمالي للبلدة، ليصبح أكثر من 500 مسلح من «النصرة» تحت مرمى النيران المباشرة للجيش، بعد سقوط خط الدفاع الأول الذي أمّنه «جيش الإسلام»، فانسحب ما يقارب 400 مسلح من «النصرة»، فيما قتل أكثر من مئة مسلح خلال الاشتباكات.
وخلال فرار «جيش الإسلام» و«النصرة» من البلدة، «نصب الجيش السوري كمائن متقدمة ضد المقاتلين الفارين، ما ضاعف من عشوائية انسحابهم. كان المنظر أشبه بتدافع هلع بين مقاتليهم لتأمين الفرار بشكلٍ سريع»، يقول مصدر عسكري في المليحة. ويضيف في حديثه مع «الأخبار»: «تأتي نوعية العملية من خلال عاملين: الأول هو أنه بسيطرتنا على المليحة باتت مناطق عربين وزبدين أقرب إلى يد الجيش، ما يفتح الطريق إلى كل الغوطة الشرقية، بما فيها دوما. أما الثاني فهو انتهاء كارثة قذائف الهاون على جرمانا والمناطق القريبة منها بشكل تام».
خلال وجودهم في المليحة، وقبيل انسحابهم منها، فخّخ مقاتلو المعارضة عدداً من الطرقات والأبنية عبر زرع الألغام والعبوات الناسفة. مصدر ميداني أفاد «الأخبار» بدخول وحدات الهندسة إلى البلدة، والبدء بعمليات التمشيط وفك صواعق المتفجرات. وسقط خلال العمليات شهيدان من قسم الهندسة بعد انفجار عبوة ناسفة داخل أحد الأبنية.

باتت مناطق عربين وزبدين أقرب إلى يد الجيش السوري

وبعد انسحاب مقاتلي زهران علوش من المليحة في اتجاه بلدة دير العصافير المجاورة، خرجت تظاهرات تابعة لمقاتلي «النصرة» الموجودين في دير العصافير منددة بعلوش، وردّد المتظاهرون «بدنا راسك يا علوش»، في إشارة إلى الانسحاب السريع الذي قامت به قوات «الجبهة الإسلامية» من المليحة، ما جعل «النصرة» مكشوفة من كل الاتجاهات. ولدى انسحاب عناصر الأخيرة من بساتين المليحة إلى دير العصافير، تفاقم التوتر بين التنظيمين ووصل إلى حد الاشتباك المسلح داخل البلدة، ما أدى إلى إصابة أكثر من 20 مسلحاً من الطرفين. مصدر محلي في دير العصافير وصف لـ«الأخبار» ما جرى قائلاً: «مع وصول مسلحي النصرة، بدأت الاتهامات تتوجه إلى علوش بأنه باع المليحة للنظام؛ انسحاب قواته غير مفهوم، فيما أكد مقاتلو علوش أن ضربات قوات النظام كانت قوية جداً، بما لا طاقة لهم على الصمود أكثر. وحاول مسلحو علوش إخبار مجموعات النصرة بالانسحاب، لكن النظام كان قد شوَّش على الأجهزة اللاسلكية والاتصالات». ويضيف المصدر: «لم يدخل هذا الكلام في عقول مقاتلي النصرة القادمين من المليحة مهزومين، فبدأ إطلاق الرصاص في الهواء، ليتحول لاحقاً إلى اشتباكات».
وعقب السيطرة على المليحة، أصدرت القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة بياناً رأت فيه أن «هذا الإنجاز الجديد يشكل صفعة قوية لرعاة المشروع العدواني، وضربة قاصمة للعصابات الإرهابية التكفيرية التي بدأت تنهار أمام الضربات المتلاحقة التي توجهها قواتنا المسلحة لهذه العصابات». وأضاف البيان: «انه بالسيطرة على مدينة المليحة يكون الجيش العربي السوري قد ضيّق الخناق على ما تبقى من بؤر إرهابية في الغوطة الشرقية، وأمَّن قاعدة ارتكاز وانطلاق للإجهاز عليها».
ميدانياً، نفّذ سلاح الجو السوري عدداً من الغارات الجوية على تجمعات المسلحين في كلٍّ من جوبر ودوما وعربين وداريا، موقعاً عشرات المسلحين بين قتلى وجرحى. وفيما استهدفت وحدات من الجيش تحركات المعارضة المسلحة في تقاطع المضخة في خان الشيح، وفي سعسع ومفرق حسنة في ريف دمشق، موقعة عشرات المسلحين بين قتلى وجرحى، فجّر انتحاري نفسه بسيارة مفخخة في مقر تابع لـ«جيش الإسلام» في منطقة البترا في القلمون الشرقي، قتل القياديين الشيخ عبد الرحمن الأردني ومحمد عريضة، وعدداً من العناصر الذين كانوا في الداخل.
إلى ذلك، كشفت مصادر محلية في مدينة داريا لـ«الأخبار» عن دخول مفتي ريف دمشق، الشيخ عدنان الأفيوني، إلى البلدة لاستكمال التفاوض مع المسلحين بهدف إنجاز التسوية الميدانية فيها.