ومع دخول الهدنة يومها الثاني، لم تُسجَّل أيّ حالات انسحاب لـ«الدعم» من المرافق الحيوية، وبخاصة المستشفيات، حيث يعاني سكّان الخرطوم من عدم توافر الخدمات الاستشفائية في المستشفيات المتخصّصة، بعدما انحصر تقديم الخدمات العلاجية بالمراكز الصحّية في المناطق الواقعة على أطراف العاصمة والبعيدة عن الاشتباكات. لا بل إن «الدعم» عزّزت تمركزها داخل المستشفيات عشيّة دخول الاتفاق حيّز التنفيذ، بسيطرتها على مستشفى «البان جديد» شرق الخرطوم، وهو آخر مستشفى متخصّص يخدم منطقة شرق النيل والحاج يوسف، إثر طردها الطاقم الطبّي منه، وفقاً لبيان نقابة الأطباء.
ويقول عضو اللجنة التمهيدية للنقابة، علي بشير، في تصريح لـ«الأخبار»، إن «قوات الدعم السريع لم تخرج من المستشفيات التي تقع تحت سيطرتها»، مضيفاً أنه «حتى في حال خروجها، فمن الصعب عودة المستشفيات إلى الخدمة نظراً لصعوبة تحرّك الكوادر الطبية». ويلفت إلى أن «أغلب الكوادر يتواجدون الآن خارج الخرطوم، وقد طالبنا الأمم المتحدة بفتح ممرّات آمنة لضمان حركتهم»، متابعاً أن «أغلب المستشفيات تعاني من انقطاع في الكهرباء والمياه، وهذا ما يصعّب عودتهم إلى العمل بشكل طبيعي»، مشيراً إلى أن توقّعات النقابة تفيد بأن «نحو 50% فقط من المستشفيات قادرة على العمل في حال الالتزام بالهدنة». وإذ كشف أن النقابة لا تتواصل مباشرة مع الجيش و«الدعم السريع»، بل عبر البعثات الأممية، فقد اعتبر أنه كان من الضروري أن يطالب الوسيطان، الرياض وواشنطن، بتشكيل «لجنة من الهلال الأحمر والصليب الأحمر الدولي بالإضافة إلى وزارة الصحة لمراقبة تنفيذ الهدنة وتحميل أيّ طرف أيّ انتهاكات تحدث في مناطق سيطرته».
يأمل السودانيون في أن تتيح لهم الهدنة العودة إلى منازلهم في الخرطوم
ومع استطالة أمد الحرب، تتزايد معاناة آلاف الأسر التي لم تتمكّن من مغادرة الخرطوم، حيث تعيش شبه حصار، في ظلّ نقص حادّ في الأغذية، بالإضافة إلى نقص في المياه نتيجة سيطرة «الدعم» على محطّة مياه مدينة خرطوم بحري منذ اليوم الثاني للحرب، والتي أدّت إلى انقطاع المياه عن كلّ أحياء المدينة. وتتّسم رحلة البحث عن الغذاء والماء بالمخاطر، بسبب تموضع قناصة «الدعم» فوق المباني المرتفعة داخل الأحياء. كما أن تأخّر وصول المساعدات الإنسانية من المنظّمات الدولية، فاقم من معاناة المواطنين في ظلّ غياب كامل لأجهزة الدولة عن تقديم أيّ مساعدات لمواطنيها، في ما عدا استجداء المجتمع الدولي لتسريع العون.
وبحسب الاتفاق الأخير، فإن طرفَي النزاع سيحافظان على مناطق سيطرتهما، ما عدا المرافق الحيوية من مستشفيات ومحطّات مياه وكهرباء، والتي مُنع استخدامها لأغراض عسكرية، فيما لم يتمّ التطرّق إلى المنازل التي تسيطر عليها «الدعم»، والتي تُطرح تساؤلات حول ما إن كانت من ضمن المرافق المطلوب إخلاؤها. على أن عملية الإخلاء تلك تبدو غير قابلة للتنفيذ على الأرض بحسب مراقبين؛ إذ لا تُعلم الوجهات التي ستنتقل إليها القوات من المرافق المخلاة، ولا سيما أن جميع المعسكرات التابعة لـ«الدعم» لا تزال هدفاً لطيران الجيش، علماً أن الاتفاق ينصّ على منع استهداف البنية التحتية المدنية أو المراكز السكنية.
على أيّ حال، يأمل السودانيون في أن تتيح لهم الهدنة العودة إلى منازلهم، من أجل تفقّدها وأخذ حاجياتهم منها. لكن حتى هذه تبدو مهمّة شبه مستحيلة، في ظلّ انتشار عمليات السلب والنهب. وفي هذا السياق، فإن واحداً من الأسئلة اليوم، هو من سيحمي المدنيين من تلك العصابات المنتشرة بكثافة، والتي أصبحت تهدّد حياة المواطنين أكثر من الحرب؟ والظاهر أن بند ضمان حرية الحركة للمدنيين الوارد في الاتفاق، لن تستفيد منه الفئة المستهدَفة ما لم تنزل الشرطة إلى الشارع، وتقوم بمهام حفظ الأمن، على الأقلّ خلال الأيام السبعة من عمر الهدنة.