ــــ للمرة الأولى يتوحّد الفلسطينيون خلف مطالبهم. لكن المفاوضات طالت حتى حدود الأسبوعين. ماذا يجري؟
خلال الأيام الماضية كانت الأفكار المطروحة تراوح مكانها لأنها كلها لم تف بالغرض، بل كانت كل فكرة إما غامضة أو ملغومة. إسرائيل ذات خبرة في التهرب من الاعتراف بالهزيمة. مثلاً، وقف إطلاق النار يربطونه بوقف الأعمال العدائية، كأن النضال المشروع لتحرير الأرض يمثل عدواناً. كما ربطوا حقوقنا بالمطار والميناء وحتى إعادة الإعمار بنزع سلاح المقاومة، وهذا ما رفضه الوفد ولم يكرره الإخوة المصريون. بناء على ذلك أعطيت التعليمات الواضحة لوفدنا الموحد بأن يتصرف بروح المنتصر.

ــــ هل يمكن تعويم الأمور من دون الوصول إلى اتفاق شامل خصوصاً مع ما يواجهه رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو في الداخل؟

حاول نتنياهو إعادة التموضع والتهرب من أي التزام لشعوره بمخاطر اعترافه بالهزيمة التي تحدث عنها أقطاب إسرائيليون، كما إنهم لا يملكون الشجاعة لخوض حرب استنزاف أو عملية برية كبرى. مع أن المجتمع الإسرائيلي أجمع على ذبح الفلسطينيين، لكن لم يعد لديه الإجماع نفسه بعد هذه الحرب، وظهرت ردود الفعل عبر شبكات التواصل الاجتماعي.

ــــ كيف ترون الموقف الأميركي من الحرب على غزة؟

التحرك الأميركي انعكاس واضح للموقف الإسرائيلي. كانت واشنطن أول من شرّع العدوان عبر تصريحات البيت الأبيض التي اعتبرت الحرب على غزة حقاً من حقوق الدفاع عن النفس بالنسبة إلى الاحتلال. بعد ذلك جاءت تحركات وزير الخارجية، جون كيري، التي تمخضت عن دعوة خجولة إلى وقف إطلاق النار. يمكن تلخيص ما فعلته واشنطن كالتالي: أولاً وفرت غطاء دولياً وإقليمياً للحرب ومنعت المنظمات الدولية من الاستنكار ومحاولة التدخل. ثانياً ساهمت في منع الجامعة العربية من فعل أي دور، وساعدت في التأثير على منظمة المؤتمر الإسلامي لعرقلة عقد قمة إسلامية في شأن غزة. ثالثاً، وهو الخطير، أنها عملت على تجريد المقاومة من الغطاء السياسي ومنع الفلسطينيين من تكوين وفد موحد.

ــــ لكن الرئيس باراك أوباما ضغط على إسرائيل لتمديد الهدنة قبل أيام خصوصاً في اللحظات الأخيرة...

ربما كان ذلك تأثراً بتحرك الرأي العام في الولايات المتحدة الذي أسهم في خفض لهجة الدعم إعلامياً لإسرائيل، لكنه لم يؤد إلى تغيير المواقف الأميركية من الاحتلال وعدوانه. أيضاً، لا بد أن كلفة تأييد هذا العدوان ثقيلة على الخزينة الأميركية. نعرف هذه الحقيقة منذ انطلاقة ثورتنا عام 1965، لذلك المطلوب هو التأثير على المصالح الأميركية في المنطقة لمقايضتها بمصالحنا الوطنية والإنسانية.

ــــ هل يمكن أن يتعقّل الإسرائيليون بعد إخفاق حربهم؟

العقل الإسرائيلي مصمم في الأساس على الفكر الإجرامي التفوقي واستلاب الحقوق بالإكراه، لذلك لا يمكن لهذا العقل أن يهتدي إلى الطريق الصواب. الحركة الصهيونية اقتطعت المجموعات البشرية التي تشكل الواقع الاجتماعي لإسرائيل من أصولها العرقية والقومية وحوّلتها إلى قوة عدوانية غير قابلة للحياة الطبيعية في محيطها الإقليمي، لذا لم يبق إلا ردعها وحشرها في خانة الأنظمة العنصرية التي تتآكل من داخلها تلقائياً.



ــــ الضفة المحتلة حاولت الحضور في المشهد عبر عمليات إطلاق نار واشتباكات بالحجارة... ماذا عن إمكانية اشتعال انتفاضة ثالثة؟

ما يجري في القدس والضفة «هبة جماهيرية» فرضها عنف الجرائم التي تمارسها عصابات المستوطنين والجنود، كأن التاريخ يعيد نفسه، فميليشيات «تدفيع الثمن» الجديدة هي على غرار «أشتيرن» و«ارغون» و«هاغانا» في عهد مؤسس الدولة بن غوريون الذي أمر بالمذابح تحت شعار لننتصر بالرعب على العرب. الهبّة الشعبية متواصلة، لكن هناك أشكالاً خجولة من المقاومة المسلحة في الضفة. شروط الانتفاضة لم تتوافر بعد لأنها تتطلب وحدة وطنية وثقافة التكافل على نطاق واسع ضمن قيادة موحدة تتحمل مسؤولياتها لمواجهة هذا التحدي الكبير.

الانتفاضة الثالثة تتطلب وحدة
وطنية وقيادة تتحمل مسؤولياتها


مفاوضات القاهرة ستشكل مدخلاً لمحادثات عميقة في الوضع الفلسطيني


ــــ إلى أين وصلت خطوات السلطة في ملاحقة إسرائيل عبر المحاكم الدولية؟

الاحتلال لن يفلت هذه المرة من العقاب، وقد استقرت إرادة القيادة الفلسطينية على إنجاز كل ما يتعلق بهذا الأمر وتحضير الوثائق والشهادات اللازمة لذلك. لكن لماذا لا يعقد اتحاد الحقوقيين العرب محكمة للاحتلال وكذلك اتحاد الحقوقيين العالمي؟ رغم ذلك، أرى أن خطوة الانتساب إلى المحاكم الدولية لا تنسجم مع مواصلة مسيرتنا الكفاحية والنضالية في إطار معركة التحرر الوطني التي نخوضها، فهي ذات أهمية لمن ليست أرضه تحت الاحتلال، ومن المناسب لنا الانخراط في هذه المنظومة بعد قيام دولتنا الفلسطينية على الأرض.

ــــ قيل في مباحثات القاهرة إن إسرائيل ستفرج عن الدفعة الرابعة من الأسرى وفق اتفاق مع السلطة على أن يرتبط الأمر بالعودة إلى طاولة المفاوضات...

لا يخفى أن محادثات القاهرة لا تقتصر على تنفيذ الاتفاقات السابقة مع الاحتلال، خصوصاً الإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى القدامى أو غيرها، لكنها حتماً ستشكل مدخلاً لمحادثات عميقة في الوضع الفلسطيني والحقوق كلها وليس الميناء والمطار والمعابر فحسب، بل في لجم العدوان وإيقافه.
الوفد الفلسطيني أصر على فتح آفاق إعمار غزة أولاً وايواء المشردين قبل حلول فصل الشتاء، ثم تنظيم العلاقة بين غزة ومنافذها البحرية والبرية إلى العالم، وضمان نقاء أجوائها من غربان الموت وحصار المدافع والدبابات الإسرائيلية.

ــــ هل يمكن أن تتطور حملة مقاطعة المنتجات الإسرائيلية إلى القطيعة بكل ما يربطنا بالاحتلال أم أن هذا مستحيل في ظل اتفاقية باريس؟

ندرك أنه منذ الأول من نيسان الماضي أعدم الإسرائيليون فرصة التسوية، لذلك نحن في صدد المقاطعة الكاملة لإسرائيل على كل الصعد، وأيضا نحو مواصلة الجهد للتوحد في إطار منظمة التحرير ووضع إستراتيجية جديدة على قاعدة المقاومة، مع آليات تضمن سلامة العمل في الميدان والسياسة. هذا يشمل المقاطعة مع إسرائيل والتفتيش عن بدائل وأسواق أخرى من دون التقيد باتفاقية باريس التي لم تفعّل أو تجدّد منذ توقيعها.

ــــ أخيرا، أين وصلت الانتخابات القادمة لـ«فتح» والمؤتمر السابع في ظل الظروف الراهنة؟

فتح في ورشة عمل وتعدّ نفسها للمرحلة الانتقالية، أما المؤتمر فهو مؤجل بفعل الظروف الحالية.




عباس زكي (شريف مشعل)، ممثل سابق لمنظمة التحرير في لبنان، وعضو في اللجنة المركزية لحركة «فتح». عاد إلى الأراضي الفلسطينية عام 1995 بعد توقيع اتفاقية أوسلو، وعيّنه الرئيس الراحل ياسر عرفات في لجنة الطوارئ. اعتقلته قوات الاحتلال عام 2010 ثم جرى الإفراج عنه.