ريف دمشق | في ظروف الحرب، تنتصر سطوة السلاح على القوانين والأعراف والمنطق، وتحل محلها. تتحول مزاجية حَمَلة السلاح إلى أعراف مؤقتة في المكان الذي يكونون فيه. وحين تنطوي المزاجيات «الحاكمة» على قدر واسع من الفساد، تصبح عمليات السرقة و«التشليح» والسطو والاختطاف ودفع الرُشى جزءاً لا يتجزأ من «العلاقات» السائدة. يظهر هذا المشهد واضحاً على الحواجز العسكرية، بمختلف أصنافها، حيث يتقابل العسكريون مع المدنيين، وتفرض قوة السلاح مشيئتها.
بنحوٍ عام، تنقسم الحواجز بانقسام الأطراف وتعدّدها على الأرض و«يحمل كل حاجز طابع الجهة التي ينتمي إليها. أفضل الحواجز على الإطلاق تلك التابعة للجيش، حيث يميزها الانضباط العسكري بدرجة ظاهرة. فيما حواجز الأمن واللجان الشعبية (الدفاع الوطني) قد تواجهك فيها حالات من الفساد أو الابتزاز المادي»، يقول سائق سيارة أجرة يعمل بين العاصمة وريفها. أما إذا كان الحديث عن حواجز المسلّحين، «فالموضوع أعقد بكثير ومن الأفضل لك ألا تراها». فحتى إذا تحقّقت الشروط التي ترضيهم، الطائفة وكنية العائلة والعمل، «بما يبعد عنك تهمة الشبيح، ستكون الغنيمة الأولى هي سيارتك. فإذا كنت ابناً باراً للثورة فلا بد من أن تضحّي. وتبدأ الخفوضات على قيمة الغنيمة مع وجود معارف لك بين المسلّحين أو زعاماتهم».

حجم الدعم الذي
تلقاه الفصائل الإسلامية يظهرها بمظهر المتعفّف عن «السرقات»

يروي فادي اليوسف، طالب في جامعة حلب، لـ«الأخبار» عن المفارقات التي تواجهه على العديد من الحواجز بين دمشق وحلب. «حواجز الجيش تسألك عن دفتر الخدمة الإلزامية وثبوتيات التأجيل. الأمن يتفرّس وجهك، ويسألك بجفاء عن مقر إقامتك وسبب سفرك»، يقول. أما حاجز «جبهة النصرة»، في ريف إدلب، «فقد طلب مني النزول مستنكراً تسريحة شعري الحديثة، وبعد أخذ ورد، قال الملتحي بلغة عربية فصحى: هات ما في جيبك!». يبتسم فادي مضيفاً: «خسرت تسريحة شعري بالإضافة إلى 1200 ليرة (نحو 8 دولارات)، إذ تعمّدت حمل هذا المبلغ الزهيد، فقد دفع عمي على هذا الحاجز ما قيمته 13 ألف ليرة أثناء مروره عليه قبل أيام».
لم يعد غريباً أن تقابل «شيوخاً» لصوصاً من «جبهة النصرة» و«الجبهة الاسلامية» على حواجزهم. فالتنظيمات المذكورة ذاتها باتت تتحدث جهاراً في هذه المسألة. يقول شاب مقيم في الغوطة الشرقية لـ«الأخبار»: «بعدما بلغت حواجز المسلّحين في الغوطة الشرقية درجةً عالية من الفساد العلني والمكشوف، راح زعيم الجبهة الإسلامية، زهران علوش، يدعو إلى محاربة المفسدين». يضيف: «هو لجأ إلى ذلك لسببين: الأول استثمار هذه الظاهرة بغية ضرب خصومه. والثاني لتلميع صورته والتظاهر بالتقوى». ولم تسفر حربه ضد المفسدين عن أية نتيجة على صعيد السرقات التي تجري على الحواجز في الغوطة الشرقية، بل «استخدمت تلك الدعاية لتنفيس غضب الأهالي وكسبهم مؤقتاً في حرب علوش ضد داعش». فيما لا تزال حواجز المسلّحين في الغوطة الشرقية تقوم بعمليات «الاختطاف مقابل المال، وبيع الجثث لذويها، وأحياناً مصادرة حتّى الأغذية التي يتمكّن الأهالي من إدخالها إلى مناطقهم المحاصرة، فضلاً عن الاستيلاء غير مرة على المساعدات الإنسانية التي تم إدخالها إلى مدينة دوما».
في السابق، كان حجم الدعم الكبير الذي تتلقاه الفصائل الإسلامية كـ«الجبهة الإسلامية» و«النصرة»، يظهرها بمظهر المتعفّف عن «السرقات الصغيرة»، وأحياناً بمظهر المكافح لتلك السرقات، التي كان يمارسها عادة المسلّحون «الدروايش» من عناصر «الجيش الحر» أو الفصائل المحلية والصغيرة. «اليوم اختلف الوضع. فداعش يأخذ مظهر النصرة والجبهة الإسلامية السابق، ويستخدم فسادهما ذريعةً لضربهما والتمدد في المناطق التي يسيطران عليها»، يقول مصدر مطّلع على أوضاع الغوطة الشرقية لـ«الأخبار». ويضيف: «المسألة برمتها باتت واضحة للناس؛ التمويل والدعم هو مفتاح الأخلاق لدى تلك التنظيمات. فحتى علوش الذي برز كمحارب لفساد المسلّحين، بات اليوم يعطي الضوء الأخضر لرجالاته ليسرقوا وينهبوا على حواجزهم، مقابل كسب رضاهم، ولدرء قيامهم بمبايعة داعش».