غزة | بات واضحاً أن الحرب الجارية على غزة مرت بأربع مراحل، مع التذكير بأنها فعلياً صارت الأعنف والأكثر دماراً من سابقتيها (2008-2012)، وهي في المرحلة الأولى كانت تعتمد على القصف الجوي المكثف، أما في الثانية فجاءت الحرب البرية المحدودة بفعل تصدي المقاومة، ثم دخلت الحرب مرحلة وازت نصف زمن المواجهة المباشرة (أسبوعان إلى شهر) وهي المفاوضات في القاهرة، وما لبث الاشتباك أن عاد على قاعدة الاغتيالات (جهة إسرائيل)، وحرب الاستنزاف (المقاومة). هذه هي المرحلة الرابعة التي يرى فيها مراقبون أنها لتحسين شروط التفاوض، لكنها تبقى مفتوحة الأفق.
في مقابل هذا التقسيم التقييمي، تبقى سيناريوهات إنهاء المعركة مفتوحة ومتعددة، ما بين قرار وشيك من مجلس الأمن مع توارد الأخبار عن مسوّدة بهذا الخصوص، أو استفزاز المقاومة العدو وإرجاعه إلى الحرب البرية، ما يمكن أن يقود مجدداً إلى التفاوض عبر وسيط، لكن النتيجة الأخيرة صارت صعبة مع تثبيت المقاومة عبر قادتها السياسيين في الخارج والداخل معادلة (العودة إلى القاهرة بشروط أولها رفع الحصار).
أما في الوقت الراهن، فمن الواضح أن إسرائيل أغلقت الأبواب في وجه الجهود الديبلوماسية الرامية إلى وقف الحرب، كذلك تواصل المقاومة الرد في ظل استمرار قتل الاحتلال المدنيين إضافة الى استهداف رجالات المقاومة. ووضعت الحالة القائمة الطرفين أمام اختبار صعب، فلا إسرائيل تقبل أقل من نزع سلاح المقاومة، ولا الأخيرة تقبل أقل من فك الحصار والموافقة على إقامة ميناء ومطار.
وإن قدر مراقبون أن تل أبيب قد تنزل عن الشجرة بعد أن حققت تقدماً في اغتيال بعض القيادات، لكن مصادر قيادية في «حماس» قالت لـ«الأخبار» إن الحركة بذلت جهوداً حثيثة من أجل وقف النار في القاهرة، «لكن الاحتلال كان يرغب في استغلال التهدئة من أجل تبريد الحرب وخفض سقف المطالب».
وكشفت المصادر القيادية عن أن «حماس» قبلت تأجيل بحث ملف المطار والميناء البحري إلى ما بعد انتهاء العدوان «كدلالة على مرونتها لولا أن وفد تل أبيب كان يرمي إلى إسقاط الحق الفلسطيني». مع هذا، لا تزال الجهود السياسية دائرة، ودليل ذلك تحركات رئيس السلطة، محمود عباس، الذي حضر اجتماعين أمس في الدوحة مع أمير قطر، تميم بن حمد، ورئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل. كذلك انضم إلى الاجتماع عضو المكتب السياسي للحركة، موسى أبو مرزوق، وعدد من أعضاء الوفد الفلسطيني المفاوض كعزام الأحمد وماجد فرج، على أن يتوجه عباس إلى القاهرة في زيارة تستمر ثلاثة أيام للعرض نفسه.
السرايا: التكتيك المستخدم يساعد
في مواجهة تمتد
لنحو نصف عام

في غضون ذلك، تعمل كل من ألمانيا وبريطانيا وفرنسا على مقترح لتقديمه إلى مجلس الأمن من أجل إصدار قرار بإنهاء الحرب على غزة، ويشمل المقترح بنوداً في مقدمتها منع بيع السلاح والمواد العسكرية للقطاع أو تمويل «الإرهاب» فيه، وأيضاً رفع الحصار وإعادة البناء والتأهيل الاقتصادي، كذلك يتحدث عن عودة المعابر إلى العمل وفق صيغة اتفاق 2005 بحضور السلطة ورقابة أوروبية وإسرائيلية، ثم مراقبة حركة السفر إلى القطاع ومنه.
كذلك، يضم المقترح فكرة إنشاء فريق مراقبة والتحقق من احترام وقف النار، وإنشاء جهاز اتصال بين الطرفين لتنسيق الهدنة، فضلاً عن شؤون عملانية وسياسية أخرى. هنا يرى مراقبون فلسطينيون أن تبني مجلس الأمن قراراً مشابهاً سيعقّد مسألة الاستجابة لشروط المقاومة على اعتبار أنه سينص على الوقف الفوري للنار من دون إلزام الاحتلال بتلبية المطالب الفلسطينية، لذلك تشير مصادر «حماس» إلى أنها تدرك حجم المؤامرة الدولية، وتنظر باستياء شديد إلى بقاء الجهد الدولي دون المستوى المطلوب.
في المقابل، عبّرت إسرائيل عن رفضها المبادرة التي طرحتها الدول الأوروبية الكبرى، وأوضحت مصادر سياسية داخلها أن الرفض يعود إلى أسباب «منها دعوة صريحة إلى استئناف المفاوضات على أساس حدود 1967». ولقطع الطريق على المبادرة عبر إعادة إحياء مفاوضات القاهرة، ذكر مسؤول إسرائيلي، كما أفاد موقع «واللا» العبري، أن تل أبيب لا ترفض مطلقاً العودة إلى محادثات القاهرة، لكنها تشترط لذلك توقف إطلاق الصواريخ، وفي حال حدوث ذلك، «فإن الدول الأوروبية سترجئ خطواتها في الأمم المتحدة إلى حين استنفاد المبادرة المصرية».
ولفت الموقع نفسه إلى أن صعوبة العودة إلى القاهرة تضع إسرائيل والولايات المتحدة أمام معضلة صعبة. «فمن جهة أصر الأميركيون على مدار السنوات الماضية على منع فرض شروط على إسرائيل بواسطة مجلس الأمن». أما بالنسبة إلى خلفية الموقف الأوروبي، فنقل «واللا» عن دبلوماسي غربي قوله: «بالنسبة إلى أوروبا، لا يمكن فصل قضية غزة عن القضية الفلسطينية كلها، ومن شأن حل سياسي دائم أن يؤدي إلى هدوء طويل الأمد للشعبين».
وقبل الإنصات إلى وجهة نظر المحللين السياسيين عن السيناريوهات المتوقعة، لا بد من الإشارة إلى أن المقاومة أكدت في أكثر من محفل أنها لن تتراجع عن مطالبها، لكن السؤال الأهم: ما قدرة المقاومة على المواجهة لمدة طويلة ولم غابت عمليات الإنزال خلف الخطوط؟
إجابة عن ذلك، يتحدث قائد ميداني في سرايا القدس، الجناح المسلح لـ«الجهاد الاسلامي»، عن أن حركته تمتلك من السلاح ما يجهله الاحتلال، مؤكداً أنهم قد أعدوا أنفسهم قبل بدء الحرب لمواجهة طويلة الأمد قد تمتد إلى أشهر. وشدد القائد الميداني، ولقبه أبو حمزة، على أن لديهم مخزوناً صاروخياً كبيراً، لافتاً في الوقت نفسه إلى أنهم لا يرغبون في مواجهة مفتوحة «لكننا على قدر من المسؤولية لمواجهة كل الخيارات». كذلك قدّر أن التكتيك المستخدم في إطلاق الصواريخ يساعد في مواجهة تمتد لنحو نصف عام.
ولا يعلم بعد سبب غياب الإنزالات البرية، وهل هو عائد إلى أن المقاومة ترجئ خطواتها إلى موعد محدد، أم أن العملية الإسرائيلية سببت فعلاً تدمير عدد كبير من الأنفاق؟
على نحو متصل، يقدر أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الإسلامية، وليد المدلل، محدودية الخيارات بالنسبة إلى الشعب الفلسطيني في ما يتعلق بردع العدوان، مشيراً إلى أن المستوى السياسي أعطى فرصة كبيرة للجهود الديبلوماسية، «لكن ما جرى في القاهرة لم يكن سوى محاولة لامتصاص الغضب وتسجيل المواقف، حتى جاءت الاغتيالات وأعادت المواجهة إلى المربع الأول».
ولم يستبعد المدلل، في حديث مع «الأخبار»، أن يصدر مجلس الأمن قراراً يقضي بوقف الحرب، «لكنه لن يتضمن تلبية المطالب الفلسطينية باستثناء رفع الحصار من المعابر»، متوقعاً أن تستمر المواجهة على النحو القائم لعدة أيام.
على المستوى الميداني، لا تزال أعداد الضحايا في ارتفاع في غزة، لكن بوتيرة أقل مما كانت في أيام الحرب السابقة للتهدئة، إذ كان عدد شهداء أمس ستة أضيفوا إلى نحو 70 منذ خرق التهدئة قبل ثلاثة أيام، ليصير إجمالي الشهداء 2091، فيما عدد الجرحى 10500.
في المقابل، لا تزال المقاومة ترد بالقصف الصاروخي على المدن المحتلة، وأبرزها تل أبيب ومستوطنات غلاف غزة، ما أدى إلى وقوع قتيل إسرائيلي ونحو 17 إصابة.






إعدام العملاء أمام الجمهور

أعدم مسلحون فلسطينيون، أمس، 18 شخصاً ثبت للمقاومة أنهم عملاء للاحتلال، وذلك في مكانين وعلى دفعتين: الأولى 11 جاسوساً والثانية سبعة. ولم تكشف المقاومة عن أسماء هؤلاء العملاء «حفاظاً على سمعة عائلاتهم»، كذلك لم يضع المسلحون أي عصبة تدل على الفصيل الذي ينتمون إليه. وبعد أن تحدث بيان المقاومة عن أن هؤلاء العملاء جرى التعامل معهم عبر «محكمة ثورية»، نشر موقع «المجد» الأمني المقرب من حركة «حماس» مجموعة بنود قالت إنها أبرز المهمات التي نفذها العملاء الذين أعدموا رمياً بالرصاص «بعد ثبوت الأدلة عليهم واعترافهم بما اقترفوه بحق الشعب والمقاومة». وأهم هذه المهمات، فضلاً عن رصد أهداف للمقاومة (منصات للصواريخ وأنفاق) كانت: رصد تحركات قيادات في المقاومة أدت إلى استهدافهم واستشهاد بعضهم، ونقل معلومات عن عناصر للمقاومة جرى استهدافهم واستشهدوا أيضاً، والإرشاد بالوصف الدقيق لمنازل عدد من المقاومين عبر أجهزة GPS، وتسلّم أجهزة ومعدات من العدو لأغراض التجسس، وتصوير أماكن وبيوت وإرسال الصور إلى العدو، وتسلّم أموال وإعادة توزيعها على عملاء آخرين عبر النقاط الميتة، وأخيراً بثّ عدد من الشائعات وترويجها. (الأخبار)