تونس | أكثر من ١٥٠ جمعية أهلية قررت الحكومة تجميد نشاطها بسبب شبهة التورط في «أنشطة إرهابية»، وذلك في سياق القرارات الاستباقية التي تقوم بها خلية الأزمة المشكّلة أخيراً برئاسة رئيس الحكومة مهدي جمعة، وعضوية وزراء الداخلية والأمن والدفاع والعدل. ولئن لقي قرار الحكومة الأخير تجاوباً كبيراً من قبل الناشطين السياسيين ومن قبل الجمعيات والمنظمات التي تناضل من أجل «تفكيك شبكات الإرهاب» التي سرت في الجسد التونسي سريان المرض الخبيث منذ سقوط نظام بن علي، المعروف بقبضته الأمنية الحديدية، إلا أنه فتح أبواب جهنم على رئيس الحكومة في المساجد وفي أوساط أحزاب «الترويكا» التي حكمت البلاد بعد انتخابات تشرين الأول ٢٠١١ وحتى أواخر شهر كانون الثاني عندما أجبرتها المعارضة على الاستقالة في إطار توافقات الحوار الوطني.

الحملة التي تقودها الحكومة منذ أيام على الجمعيات «التي تموّل الإرهابيين وتدعمهم وتساندهم وتساعدهم»، سواء في أنشطة مباشرة أو غير مباشرة، كانت مطلباً من مطالب الحركة الديموقراطية والنقابات الأمنية، إذ إن هذه الجمعيات المصنف أغلبها جمعياتٍ «خيرية» أو دينية، تدير شبكات كبيرة في كل جهات البلاد، وهي ممولة بدرجة أولى من قطر وبعض دول الخليج ورجال أعمال ودعاة يرفعون شعار «أسلمة تونس».
ومنذ اغتيال المناضل شكري بلعيد في شباط ٢٠١٣ ثم النائب محمد البراهمي في تموز اللاحق، طالبت «القوى الديموقراطية» بحل الجمعيات التي تساند «الإرهاب» وتلقى دعماً من حزبي «المؤتمر من أجل الجمهورية» و«حركة النهضة»، وذلك بعدما كشفت جهات أمنية تورط جمعيات «خيرية» في نشر ثقافة القتل والإرهاب والاغتيال عبر تجنيد الشبان ومنح حوافز مالية مقابل التجنيد.
وأمام ضغوط «القوى الديموقراطية»، بدأت الحكومة منذ أيام حملة على الجمعيات عبر تجميد نشاط عدد كبير منها في انتظار الأحكام القضائية، وذلك بعد تقديم قضايا من رئاسة الحكومة ضدها وضد الناشطين فيها، كذلك عُيِّن قاضٍ لإدارة قسم الأحزاب والجمعيات في رئاسة الحكومة، هو كريم المهدي خلفاً لسليم البريكي المحسوب على «حركة النهضة»، حتى تكون إجراءات حل الجمعيات والأحزاب مطابقة للقانون في حال تورطها في تجاوزات.
بدوره، أعلن المصرف المركزي فتح تحقيق في تمويل الجمعيات وتجميد حسابات الجمعيات التي يشتبه في تورطها في «الإرهاب». ومن بين أبرز الجمعيات التي يشتبه في تورطها بأنشطة مخالفة للقانون جمعية «تونس الخيرية» التي يديرها شقيق الأمين العام لـ«حزب المؤتمر من أجل الجمهورية» عماد الدائمي، والممولة أساساً من قطر المتهمة من «القوى الديموقراطية»، من اليسار والقوميين و«الدستوريين»، بدعم الحركات الإسلامية المتطرفة وميليشيات ما يسمى «روابط حماية الثورة» من أجل تدمير النموذج الاجتماعي التونسي ونمط عيش التونسيين المعروفين بالانفتاح والتسامح ومن أجل بناء دولة دينية تقودها «حركة النهضة» وأنصارها.
يدير أغلب الجمعيات ناشطون ومقربون من «النهضة» و«المؤتمر»

وأغلب هذه الجمعيات، كما علمت «الأخبار» من مصادر مطلعة، يديرها ناشطون منخرطون في «النهضة» وحزب «المؤتمر»، أو قريبون منهما، فضلاً عن السلفيين و«حزب التحرير». ولهذا، تواجه الحكومة منذ أيام حملة على شبكات التواصل الاجتماعي وفي المجلس الوطني التأسيسي، يقودها قياديون في «النهضة» مثل الصادق شورو والحبيب اللوز، العضوان في المجلس التأسيسي، واتهموا الحكومة بـ«معاداة الإسلام والعمل على تجفيف منابع التدين في البلاد». وطالب هؤلاء الحكومة بالتراجع عن قراراتها، مستخدمين شعارات مشابهة لتلك التي استخدمت في الحملة الانتخابية السابقة التي قادت «النهضة» إلى الحكم. ولم يكتف القياديون في «النهضة» بذلك، بل دفعوا بعض أئمة المساجد إلى القيام بحملة ضد الحكومة.
في مقابل ذلك، أكد مصدر مسؤول في رئاسة الحكومة أنه «لا تراجع عن تطبيق القانون ضد كل الأحزاب والجمعيات التي تورطت في الإرهاب بأي شكل من الأشكال». ومع اقتراب الانتخابات وانطلاق الحملة الانتخابية قريباً، استعداداً لموعد ٢٦ تشرين الأول، سيعرف ملف الجمعيات الكثير من التجاذبات، إذ إن هذه الأخيرة سيكون لها دور محوري في توجيه إرادة الناخبين بما تملكه من أموال طائلة تأتي عادة من قطر وبعض دعاة الخليج.
لكن اليوم وفي تونس، التي أصبحت حظوظ عودة «الإسلاميين» إلى الحكم فيها ضعيفة بحسب استطلاعات الرأي بعد تجربة فاشلة عرف خلالها التونسيون ما لم يعرفوه طوال حكم النظام السابق، هل يكون ملف الجمعيات هو الباب الذي سيقضي إلى الأبد على أمل «الإسلاميين» في العودة إلى الحكم بعدما يثبت القضاء بالوثائق حقيقة التحويلات المالية الهادفة إلى تخريب تونس؟