غزة | بعد 46 يوماً من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وبدء المقاومة مرحلة حرب الاستنزاف، لم يجد الاحتلال مجالاً سوى تكثيف استهدافه المدنيين للضغط على المقاومة، وبدأ في سبيل ذلك انتهاج أسلوب جديد هو تدمير الأبراج السكنية بعدما كان يستهدف البيوت، وذلك بإسقاط برج «الظافر 4» في حي تل الهوا غرب مدينة غزة، أول من أمس.
برج مكون من 14 طبقة (44 شقة) سُوّي بين دقيقة وأخرى بالأرض بعد إبلاغ سكانه بضرورة إخلائه، وإلا سيكون مصيرهم الموت. لحظات قصيرة لم تتعدّ 15 دقيقة كانت فرصة نجاة عشرات العائلات، فهرب أكثر من 800 مواطن يقطنون «الظافر 4» والبرج المقابل له، وبسرعة جهّز الصحافيون كاميراتهم ليصوروا الحدث.
هذه هي الترجمة الفعلية التي سبقت ما أعلنه جيش الاحتلال أمس حينما قال إنه سيكثف نشاطاته في غزة «وينتهج سياسة أقل تسامحاً»، وهو ما كرره بعد ساعات باستهداف مجمع سكني وتجاري في مدينة رفح جنوب القطاع.

أعلن جيش العدو
أنه سيكثف نشاطاته في غزة وينتهج سياسة أقل تسامحاً

محمد المقادمة كان يعيش مع عائلته المكونة من 7 أفراد في برج الظافر، وهو أول من تلقى اتصالاً هاتفياً من رقم إسرائيلي يخبره بضرورة إخلاء البرج، فسارع إلى إخلاء جيرانه، مع أنهم لم يصدقوا بداية الخبر لعلمهم أن الاحتلال يستهدف شققاً بحد ذاتها في حالات مشابهة، ولم يستوعبوا إمكانية إنزال البرج بكامله.
ولتأكيد التهديد الإسرائيلي، جرى إطلاق صاروخ من طائرة استطلاع (تحذيري) دوى صوته في المكان، وبعد أقل من عشر دقائق قصف المبنى بصاروخين من طائرة حربية كانا كفيلين بإسقاطه وتدمير أحلام القاطنين فيه. يقول المقادمة لـ«الأخبار»: «نحن مدنيون وكل القانون الدولي ينص على تحييدنا»، معبراً عن الصدمة من مصير أكثر من 44 عائلة صارت مشردة في الشارع خلال لحظات. ويضيف: «سنبني برجنا من جديد فور انتهاء الحرب وبالهندسة نفسها والمقاول ذاته... لن نبقى في الشوارع ولن نلجأ إلى المدارس حتى لا تصيبنا الأمراض كما جرى مع غيرنا من النازحين».
ولم يلبث الغزيون أن سمعوا خبر تدمير هذه البناية الكبيرة حتى داهمهم خبر تدمير برج زعرب، وهو الأضخم في رفح بجانب سوق تجارية (مول).
«إسرائيل بسياستها الجديدة تقول للفلسطينيين إذا لم تتوقفوا عن إطلاق الصواريخ وترفعوا الراية البيضاء سندمر غزة كلها»، هذا توصيف المشهد كما يراه المحلل السياسي أكرم عطا الله. لكن الاحتلال، وفق رأيه، لن يفلح في ذلك، وخاصة أن مطالب المقاومة تأتي ضمن مصلحة الشعب نفسه.
وما بين صمود المقاومة والتعنت الإسرائيلي، لا يستطيع عطا الله تقدير الوقت الذي يمكن أن ينتهي فيه العدوان، «وفي الوقت نفسه، لا تستطيع إسرائيل أن تصمد لأنها تريد أن يعود مواطنوها إلى حياتهم الطبيعية، كما هو حق للفلسطينيين أيضاً».
بدوره، يرى المحامي والحقوقي صلاح عبد العاطي أن استهداف الأبراج السكنية تطور خطير وجريمة حرب مضاعفة «تجمع بين التشريد والقتل والتدمير في وقت واحد»، قائلاً إن جريمة أمس أضافت أكثر من 400 فرد على قائمة التشريد».
ويتابع عبد العاطي: «القانون الدولي الإنساني يكفل للمدنيين الأمن على حياتهم ومالهم ومسكنهم، وهو ما تسنّه التشريعات الدولية، لكن إسرائيل استهدفت قبل ذلك مقارّ المؤسسات الدولية مثل مدارس الأونروا». ورأى أخيراً في منع الاحتلال وفداً من لجان تقصي الحقائق والجنايات من دخول غزة أنه محاولة إسرائيلية لإخفاء جرائم الحرب بحق المدنيين، «وهو ما لا تستطيع تحقيقه، وخاصة أن الإعلام استطاع أن يوثق الجرائم ويظهر الحقيقة للعالم».