ازدادت حدّة اللهجة الأميركية تجاه تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا بشكل جذري منذ أيام. الرئيس الأميركي باراك أوباما وصفها بـ«السرطان» الذي يجب الحدّ من انتشاره والقضاء عليه. وزير دفاعه تشاك هاغل رأى فيه «أكبر تهديد تواجهه واشنطن». رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي أعلن ضرورة «مواجهة التنظيم في سوريا» كـ«طريقة وحيدة لهزمه». النواب الديموقراطيون والجمهوريون يبحثون في الخطة «الأفضل» لقصف «داعش» في سوريا بغية الموافقة عليها في «الكونغرس». منذ أيام، تحوّل سؤال الصحافيين الأميركيين من «هل يجب أن نحارب داعش في سوريا؟»، الى «كيف يجب أن نحارب داعش على الأراضي السورية؟».
صحافيون ومحللون استراتيجيون ومصادر استخبارية ودبلوماسيون سابقون... كلّ قدّم خطة لمهاجمة «داعش» في سوريا والإجماع بقي على ضرورة عدم إدخال جنود أميركيين لتنفيذ عمليات مباشرة على الأراضي السورية.
أولاً، ميدانياً وعسكرياً، لم تعد «نغمة» تسليح المعارضين «المعتدلين» ودعم المقاتلين الأكراد كافية بالنسبة إلى المسؤولين الأميركيين. أضيف اليها أخيراً وعلناً خيار تنفيذ ضربات جوية مباشرة على مواقع «داعش» في الداخل السوري. كيف؟ باستكمال ما بدأنا به في العراق يجيب البعض، مع إدراكهم أن الأوضاع في البلدين مختلفة جداً سياسياً وميدانياً واستخبارياً.
«الضربات الجوية الأميركية وحدها لا تكفي»، يضيف آخرون ويشددون على ضرورة التعاون مع سوريا والسعودية ودول الخليج وإيران وروسيا وتركيا لتحقيق هدف القضاء على «الدولة الإسلامية». ويدعو أصحاب هذه النظرية مثلاً الى تكثيف الضغوط الأميركية والبريطانية على تركيا لضبط حدودها ومنع إدخال المقاتلين المتطرفين الى سوريا.
ماذا عن اللجوء الى سلاح أوباما المفضّل: الطائرات من دون طيار؟ يرى كثيرون أن ذلك سيكون شبه مستحيل مع وجود سلاح جوّ سوري متأهّب لردّ أي اختراق للأجواء، وخصوصاً أن سوريا لم تأذن (بعد) لواشنطن باستخدام تلك الطائرات في أجوائها، كما هو الحال في باكستان وأفغانستان. وهنا نبّه البعض الى صعوبة الحصول على موافقة النظام السوري على شنّ هجمات بطائرات أميركية من دون طيّار بسبب ما قد يمكن لتلك الطائرات أن تجمعه من معلومات وصور في مواقع حساسة في سوريا مثل الرقّة، وفيما يعترف البعض بخطر فقدان عدد من هذه الطائرات في حال استخدامها في سوريا، يجمع هؤلاء على أن هذا الخيار هو بالتأكيد أفضل من إرسال طيّارين أميركيين للتحليق في الأجواء السورية.
زلماي خليل زاد، مندوب الولايات المتحدة السابق في الامم المتحدة والسفير السابق في العراق وأفغانستان، نشر في «ذي ناشيونال انترست» خطّة «من خمس مراحل لتدمير الدولة الإسلامية». وشملت خطّته «الطويلة الأمد» على ضرب «داعش» في الداخل السوري بالتزامن مع زيادة الدعم المباشر والسريع للمعارضة السورية بهدف الضغط على التنظيم على كافة الأراضي السورية. خطة خليل زاد اقترحت أيضاً «تشكيل حكومة وحدة وطنية في سوريا تجمع بين حكومة الأسد والمعتدلين السنّة والأكراد وباقي الأفرقاء وبسط السلطة على المناطق على أساس مذهبي وإثني». الخطة حثّت أيضاً الدول الأروروبية وروسيا والصين على التعاون بهدف التصدي للخطر الاقتصادي الذي تشكّله «الدولة الإسلامية»، وخصوصاً بعد سيطرتها على مناطق نفطية، إضافة الى تعاون دول الشرق الأوسط فيما بينها لتضييق الخناق على «داعش». الدبلوماسي الأميركي السابق لم ينس بند الخطة المتعلق بتهيئة الرأي العام الأميركي لمهمة مكلفة وطويلة الأمد.
ثانياً، استخبارياً، نقلت «ذي واشنطن بوست» عن رسميين أميركيين أن «طائرات التجسس الأميركية كثّفت طلعاتها على طول الحدود السورية ـــ العراقية أخيراً من دون أن تخترق الأجواء السورية». و«وكالة الاستخبارات المركزية (سي. آي. إي) وسّعت شبكة مخبريها داخل سوريا بالاعتماد على المتمردين المعارضين الذين درّبتهم وجهزّتهم في قواعد سرية في الأردن خلال السنتين الماضيتين»، لكن، رغم ذلك، يشرح مسؤولون في لجنة الاستخبارات النيابية أنه ما زال هناك فجوات كبيرة في المعلومات الاستخبارية حول التنظيم في سوريا، وأنه «قد تلزمنا أشهر لبناء شبكة المعلومات اللازمة»، التي تسمح بتوسيع رقعة المواجهة من العراق الى سوريا، لكن مسؤولاً استخبارياً يقول لـ«بوست» إنه «لدينا فهم جيد لاستراتيجيات وتكتيكات وقيادات وتنظيم المجموعات الإرهابية في سوريا و«الدولة الإسلامية» ضمناً». ويشدد على ضرورة «عدم الاستخفاف بعمل ضباطنا وما لدينا من معلومات حتى في أماكن صعبة مثل سوريا».
لكن، عند مقارنة الوضع الاستخباري في سوريا بالوضع في أفغانستان وباكستان، يجزم مسؤولون بأن الجاهزية الاستخبارية والبنية التحتية على الأراضي السورية تبدوان شبه معدومتين ولا تضاهيان تلك الموجودة في البلدين المذكورين.
سياسياً، لم يستطع المحللون رسم سيناريو لشكل التحالفات السياسية والتعاون الاستراتيجي الذي قد يطرأ فجأة بين واشنطن ودمشق، أو بين الدول العربية فيما بينها لتفسح المجال للتخلص من «داعش». البعض رأى المشهد سريالياً بامتياز: «السنة الماضية كنّا على وشك قصف نظام الأسد، اليوم نحن نقصف عدوّه!».



معارضو الضربات: غير مجدية!

وسط الاتجاه الإعلامي العام المؤيّد لضربة أميركية ضد «داعش» في سوريا، برزت بعض الأصوات المعارضة لها. «لن تفيد سوى بزيادة عداء المتطرفين تجاه أميركا»، رأى البعض واقترح هؤلاء «ترك التنظيم يدمّر نفسه بنفسه بسبب غرائزه التدميرية». البعض الآخر ذكّر بأن الرأي العام الاميركي ما زال، بأغلبيته رافضاً لمشاركة أميركا عسكرياً بالقضاء على «داعش»، ويرفض كليّاً إرسال جنود الى الميدان. أشرس المعارضين لفكرة شنّ ضربات أميركية على «داعش» في سوريا يقولون إن «تلك الضربات ستوقف انتشار التنظيم لكنها لن تقتلعه بالكامل»، والتجارب كثيرة على ذلك النوع من التصدي الآني لمجموعات مماثلة، كما حصل بعد غزو العراق عام ٢٠٠٣.
معظم المعارضين للضربات الجوية يعوّلون على الرئيس أوباما نفسه الذي، بنظرهم، «لن يقدم على شنّها إذ إنه يعتمد سياسة مختلفة منذ بداية الأزمة في سوريا وسيكمل بها».