غزة | على الفقراء في غزة، الذين يمثلون قرابة نصفها، وفق إحصاءات الأمم المتحدة، أن يكدوا ضعفين لتحصيل قوت يومهم، وخاصة أن معظمهم لا تغطي المعونات الإغاثية احتياجاتهم كاملة، وبعضهم ممن كان يعمل أحد أبنائه بأجر زهيد من الاحتمال الكبير أنه فقد عمله بعد شهرين من الحرب. «الدقيق والبقوليات لا تكفي للعيش... مقومات كثيرة والاحتياجات متعددة»، هذا ما قاله المواطن عبد الله المصري، الذي نزح عن منزله في بيت لاهيا شمال قطاع غزة متجها إلى أحد مراكز الإيواء في مدارس (الأونروا).

المواطن المصري (45 عاماً)، وهو متعطل عن العمل ومدرج على بند البطالة منذ سنوات، لم يركن إلى ما تقدمه المؤسسات الدولية من معونات للنازحين، فآثر إقامة بسطة ليبيع عليها بعض الحلوى للأطفال الذين نزحوا أيضا عن مساكنهم. ويجلس الرجل قبالة مدخل المدرسة تحت الشمس، وهو يعتمر قبعة بالية، ويغل يده في باقة بالونات يصفها بأنها تخفف عن الأطفال وطأة الخوف والرعب وتنسيهم ألم الحرب.
ويقول المصري الذي فقد منزله، لـ«الأخبار»، إنه «لولا الحاجة الماسة إلى المال ما جلست هكذا، وأنا مصاب بضغط الدم، وقد جف حلقي لشدة الحر، لكنها ضريبة الحياة والحرية، وعلينا أن نبحث عن لقمة أبنائنا»، مشيرا إلى أنه يعيل ثمانية أطفال، أكبرهم في الثالثة عشرة.
والمضحك المبكي أنه يمنع أطفاله من أكل ما على البسطة مع أنهم مثلهم مثل الأطفال الباقين، كما عبر عن استيائه من حال النازحين الذين انضموا إلى قافلة الفقر ونسبتها 39% في غزة، وخاصة أنهم يعجزون عن شراء الحلويات لأطفالهم، بعدما خسروا ممتلكاتهم وأموالهم، ولم يكن همهم سوى النجاة بأبدانهم وملابسهم.
أما أحمد أبو موسى، في أواخر عقده الرابع، فقد فتحت له الحرب أفقا للعمل مع لجان الإغاثة، بعدما كان يعتاش على المعونة النقدية التي تقدمها وزارة الشؤون الاجتماعية وتصرف أربع مرات في العام. ويشير أبو موسى، الذي كان يعمل داخل الأراضي المحتلة قبل اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000 في الإنشاءات، إلى أنه باشر بعد اندلاع العدوان في السابع من تموز الماضي التردد على مراكز الإيواء في محيط سكنه في خانيونس، وذلك لمشاركة لجان الإغاثة مساعدة النازحين، حتى اطمئنوا إلى خدمته وعرضوا عليه العمل معهم مساعدا في حصر الأضرار وتقديم «الكابونات» العينية إلى الناس.
ويلفت المواطن صاحب الشعر الأبيض إلى أنه بات بمقدوره اليوم أن يلحق ابنته، التي حصلت على معدل جيد جدا في الثانوية العامة، بالجامعة، بعدما أصيب بالإحباط لخوفه من العجز عن مساعدتها على إكمال تعليمها الجامعي.
وإذا قدر لهذين الاثنين أن يتدبرا يومهما بما تدره بيع الحلوى، أو ما يغطيه الراتب المحدود من نفقات، فإن آخرين ازدادوا بؤسا جراء الحرب، وهم في الأصل مدرجون على قوائم الفقر. من هؤلاء أم محمد جابر، وهي امرأة في عمر الأربعين تقطن مدينة غزة، وتقسم أن أسرتها لا تقوى على توفير المصروف اليومي بعد تعطل زوجها عن العمل بفعل الحرب، وكان يعمل في السباكة بـ40 شيكل يوميا (11$).
وتحتاج أسرة المواطنة جابر إلى مصروف يومي يفوق يومية زوجها، لكنها قالت إن المبلغ السابق كان يكفي لتغطية الحد الأدنى من النفقات. وتذكر السيدة أن طبق الفول يكاد يكون حاضرا في الوجبات الثلاث اليومية، كما اضطرت إلى بيع معونتها الإغاثية المكونة من البقوليات وزيت القلي حتى تشتري بعض علاجاتها.
بلغت نسبة البطالة في غزة وفق آخر الإحصاءات التي سبقت العدوان نحو 40%، فيما وصلت نسبة الفقر إلى 39%، منهم 21% يقعون تحت تصنيف الفقر المدقع. ولا تملك هذه المنطقة الساحلية أي موارد طبيعية، فضلا عن أن نصف الأراضي الزراعية و85% من الثروة السمكية أضحت غير قابلة للاستعمال بفعل العدوان.
وينظر الخبير الاقتصادي، معين رجب، إلى محاولات الناس البحث عن مصادر بسيطة، على أنها قد تسهم في خفض مستوى الحاجة اليومية، «لكنها لن تحرك عجلة الاقتصاد التي أعطبتها الحرب». ورغم إشادته بما سماها المحاولات الفردية، فإنه طالب، في حديثه لـ«الأخبار»، بضرورة أن تقف الجهات والمؤسسات الدولية أمام مسؤولياتها للجم العدوان وتعويض المتضررين، «والأهم توفير فرص للمتعطلين عن العمل».