غزة | قبل الحرب الأخيرة على قطاع غزة، لم تكن الحال بين حركتي «حماس» و«فتح» أفضل من الآن، إذ كان القطاع على منحدر خطير بسبب أزمة رواتب حكومة غزة (حماس) السابقة التي تقارب العام. ولا تكشف مصادر مطلعة في حركة «حماس» سراً حين أكدت لـ«الأخبار» صرف ملايين الدولارات خلال الحرب لموظفي قطاع غزة الذين يزيد عددهم على 45 ألفاً.
وفي وقت متأخر أمس، أعلن عضو المكتب السياسي لـ«حماس»، موسى أبو مرزوق، أنه ستصرف رواتب رام الله وغزة بالتزامن هذا الشهر، لكنه ذكر أن الصرف سيكون عبر «سلفة» لا تتعدى 1500 شيقل (1 دولار = 3.5 شواقل) يوم الأربعاء المقبل.، وهو ما قد يحل جزءا من المشكلة.
ويرى سكان غزة أن الحكومة التي يرأسها الأكاديمي رامي الحمدالله تخلت عنهم في وقت الشدة لأنها لم تمنح أصحاب البيوت المهدمة سوى مبلغ 300 شيكل (85 دولاراً)، وفق إفادات النازحين. ويحاول مئات منهم في هذه الأيام إخلاء المدارس التي لجأوا إليها والعودة إلى ما بقي من منازل صالحة للسكن.
وأعلن الحمدالله أمس أن حكومته سوف تستأجر بيوتا بصورة مؤقتة للنازحين.
تعليقا على ذلك، ذكر وزير الأشغال العامة والإسكان في حكومة التوافق، مفيد الحساينة أن المبالغ التي وُزّعت على المتضررين لا تغطي احتياجاتهم، لكنه عزا المشكلة إلى العجز المالي الذي تعانيه حكومته، مؤكداً لـ«الأخبار» مراسلته دولاً خليجية من أجل إمداد «التوافق» بالدعم اللازم لإغاثة المتضررين والمساهمة في إعادة الإعمار.

عبّرت «الجهاد»
عن قلقها من تبادل الاتهامات بين
«حماس» و«فتح»


وأفاد الحساينة بأن لجنة حصر أضرار العدوان باشرت عملها، وقدر الخسائر المباشرة (الأولية) التي أصابت منازل المواطنين بنحو 3.5 مليارات دولار، معبراً عن أمله بعقد مؤتمر المانحين لإعادة الإعمار قريباً. يشار إلى أن وسائل إعلام نقلت أن رئيس السلطة، محمود عباس، هاتف أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، للحديث عن أهمية الإسراع في إعادة الإعمار، كما بحث تميم في اتصال آخر مع القيادي في «حماس»، إسماعيل هنية، سبل إعمار غزة.
وبعيداً عن قضية الإعمار التي تطالب السلطة بأن يكون عبر قناتها، فإن حالة من التجاذب السياسي ألقت بظلالها على الوضع الفلسطيني مجدداً، على ضوء حديث عباس أنه لن يدفع رواتب موظفي حكومة غزة السابقة نظراً إلى العجز الذي تعانيه السلطة، وفق ما سربته وسائل إعلام فلسطينية عن اجتماع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير في رام الله الأسبوع الماضي، فضلاً عن تصريحه علناً بوجود «حكومة ظل في غزة».
الحساينة من جهته، قال إن وزراء غزة الأربعة في حكومة التوافق يؤدون عملهم بصورة رسمية وكاملة، بما في ذلك وزارته التي يعمل جميع من فيها تحت إمرته، لكنه طالب بضرورة أن تلتئم الحكومة في غزة «حتى يأخذ كل وزير موقعه ويدير أعماله».
في المقابل، نفى موسى أبو مرزوق، وجود ما يسمى «حكومة الظل» في القطاع، معتبراً أن تصريحات عباس «لا تخدم الموقف». وأضاف أبو مرزوق في تصريحات صحافية: «الرئيس يجب أن يراجع حساباته، ولم يمنع أحد عمل حكومة الحمدالله في غزة... هم يتلكأون ويحاولون التمييز بين المواطنين».
على وقع التجاذب، وجهت اللجنة المركزية لـ«فتح» أصابع الاتهام إلى الأجهزة الأمنية في غزة بارتكاب ما سمته «أبشع الجرائم والانتهاكات بحق كوادرها وعناصرها في القطاع». وقال بيان صادر عن اللجنة: «نستنكر إقدام أجهزة أمن حماس خلال العدوان على إطلاق الرصاص على أرجل العشرات من كوادر الحركة وفرض الإقامة الجبرية على أكثر من ثلاثمئة في منازلهم»، مشيراً إلى وجود معتقلين سياسيين في سجون غزة. وفي المقابل اتهمت «حماس»، السلطة، باعتقال كوادرها في الضفة المحتلة بعد احتفالات أمس.
المتحدث باسم وزارة الداخلية السابقة في غزة، إياد البزم، أكد لـ«الأخبار» أنه لا يوجد معتقلون سياسيون أو أشخاص موقوفون على خلفية «الرأي»، وقال: «كل ما يشاع غير صحيح، وليس هناك أي معتقل سياسي، وقد أطلعنا مؤسسات حقوق الإنسان على هذا الأمر». وأضاف: «الأجهزة الأمنية لم تطلق النار على أحد، والحديث عن استهداف عناصر فتح هو محض افتراء، كما أننا (الوزارة) لم نعدم أياً من المتخابرين مع الاحتلال».
وشدد البزم على أن «أجهزة غزة تتبع الإجراءات القانونية في إيقاف المواطنين وملاحقة العملاء، بما يضمن عرضهم على القضاء»، كاشفاً عن أنهم فتحوا «تحقيقاً في إعدام عملاء»، لكنه لم ينف اعتقال مشبوهين في إطار التحقيقات.
في مقابل ذلك، عبرت «الجهاد الإسلامي» عن قلقها من الاتهامات المتبادلة، مع العلم بأنها دعت، وفق مصادر، إلى عقد مؤتمر لقيادة منظمة التحرير.
وتهدد هذه الخلافات المشهد الفلسطيني السياسي الذي لم يخرج بعد من دائرة الحرب، إذ يجري الحديث عن أن منتصف الأسبوع الجاري سيكون موعد استئناف المفاوضات غير المباشرة بين الوفدين الفلسطيني والإسرائيلي في القاهرة، وذلك من أجل النظر في القضايا المؤجلة كالإفراج عن الأسرى وقضية الجنديين الإسرائيليين المفقودين وملفي بناء المطار والميناء. لكن عضو الوفد، بسام الصالحي، نفى علمه، حتى كتابة التقرير، بموعد استئناف المفاوضات.
ويقود هذه المباحثات عن الطرف الفلسطيني وفد موحد من الفصائل كلها يرأسه عزام الأحمد (فتح)، ما يعني أن أي خلاف داخلي له تأثير مباشر على موقف الوفد. في هذا الصدد، أعلن المتحدث باسم «حماس»، سامي أبو زهري، أن أي مشروع دولي يستهدف نزع سلاح الحركة في قطاع غزة ليس له قيمة «لأنه يتعارض مع القانون الدولي، وشعبنا لن يسمح بذلك». وأضاف أبو زهري، في بيان له، إن «المطلوب ليس نزع سلاح الشعب الفلسطيني، بل يجب أن يكون نزع سلاح الاحتلال ومنع الإدارة الأميركية من تزويده به». في سياق متصل، لفت إلى أن «اتفاق التهدئة لا ينتهي بانتهاء الشهر المحدد، وأن ما ذكر في الاتفاق أن تبدأ جلسات المفاوضات قبل انتهاء الشهر، أما التهدئة فهي مستمرة، وذلك حتى لا يحدث لبس لدى شعبنا».
على جانب آخر (علي حيدر)، بدأت حكومة العدو خطواتها الأولى في معالجة جانب من تداعيات الحرب على غزة. وأقرت في جلستها أمس اقتراح رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، تقليص ميزانيات الوزارات المختلفة من أجل تغطية نفقات العدوان (2 مليار شيكل) وهي تعادل نحو 2% من ميزانيات الوزارات. ويهدف التقليص الذي شمل كل الوزارات، باستثناء «الدفاع»، إلى زيادة الموازنة الأمنية 1,5 مليار شيكل، على أن يستخدم الباقي لتعويض الأضرار في منطقة الجنوب. كما تضمن قرار الحكومة زيادة موازنة «الدفاع» 1,5 مليار شيكل سنوياً ابتداءً من العام المقبل.
من جهة أخرى، كشفت صحيفة «هآرتس» أن الجيش سيوصي أمام الحكومة بتخفيف الضغوط العسكرية والاقتصادية على «حماس» في غزة من أجل منع استئناف القتال نهاية أيلول الجاري. وهنا أوضح ضابط رفيع أنه «ليس هناك مصلحة لإسرائيل بأن يرزح القطاع تحت ضغط اقتصادي واجتماعي ثقيل، لأن التسهيلات ستساعد في إبقاء الهدوء على حاله».