■ كيف ترون معركتكم الأخيرة مع العدو، مقارنة بحروبكم السابقة؟ - أسرف العدو خلال الحرب في استخدام القوة، منفذاً آلاف الطلعات الجوية، ومطلقاً آلاف القذائف المدفعية والدبابات، ومشركاً عشرات الآلاف من جنود نخبة، ضد شعب أعزل وبضعة مقاتلين. الجديد في هذه الحرب مدتها الزمنية الطويلة التي استمرت 50 يوماً، والتي تميزت بعنفها وشراستها وقوتها التدميرية الهائلة.

واعتقد العدو أنه بإطالة أمد الحرب سيستنزف مخزوننا الصاروخي، وسيشق الجبهة الداخلية الفلسطينية. لكن انقلب السحر على الساحر، جررناه إلى حرب استنزاف، وبقيت جبهتنا الداخلية متماسكة وموحدة، حتى إن بعض الفصائل والشخصيات التي لم تكن مقتنعة بفائدة الكفاح المسلح، تموضعت في نفس الخندق مع المقاومة، وهو ما تجلى بالوفد الفلسطيني الموحد.

■ ما هي المشاكل التي واجهتكم في الميدان خلال المعركة؟
- يتميّز العدو بتفوقه التكنولوجي، الذي استحصل عليه بفضل تحالفه مع أميركا والغرب الإمبريالي. في هذه المعركة كان القرار واضحاً من قبل القيادة العامة لكتائب الشهيد أبو علي مصطفى، وهو تحييد التكنولوجيا. وبالفعل استطعنا تحييد تفوقه التكنولوجي والجوي، بجرّه إلى مواجهة برية، رجل مقابل رجل. فإذا كان الاحتلال يراقبنا من فوق الأرض، فسنعمل له من تحتها. لم يستطع الاحتلال طوال أيام الحرب الوصول إلى مقاتلينا، باستثناء استهدافه شهيدين من الكتائب، هما عبد الرحمن الحدايد وأسامة محمود عباس.

■ كيف كنتم تقضون وقتكم خلال الهدن الإنسانية؟
- ارتباطاً بالفكر الذي نحمله وبالحزب السياسي الذي ننتمي إليه، لا نؤمن بتوصيف الهدنة مع العدو. نحن نوقف القتال في حالة واحدة، وذلك عندما يعود سكان هذا الكيان إلى حيث أتوا، حينها نعطيهم هدنة ولا داعي للقتال. في فترات الهدوء، سواء خلال الحرب أو بين حربين، نعمل على إعداد مقاتلينا وتجهيزهم وتدريبهم وزيادة كفاءتهم. هكذا، يقضي مقاتلونا أوقاتهم، فنحن لسنا مجموعة أفراد تلتقي عند اندلاع المعارك وتنفض بعد ذلك. نحن قوة عسكرية منظمة، ومقاتلونا حرفيون ومهنيون إلى أقصى حدود.

■ ماذا ستفعلون في حال خرق الهدنة الحالية؟
- قتالنا مع العدو غير مرتبط بردّ فعل على جريمة ارتكبها الاحتلال في غزة أو الخليل أو حيفا. الجريمة الأساسية هي عندما أتى الصهاينة وحلفاؤهم الإمبرياليون بشذاذ الآفاق إلى أرض فلسطين وجعلوها وطناً لهم، ما دامت هذه الجريمة باقية، فنحن مستمرون في نضالنا. ومقاومتنا مشروع استراتيجي متكامل، فإذا ضرب العدو الصهيوني في الخليل، على المقاومة الرد وإيلامه. وإذا توقف عن استهداف غزة، فسنلاحقه حتى تحرير فلسطين. أما إذا قرر الاحتلال شن عدوان جديد، فسنكون جاهزين له. ومقاومة كتائب أبو علي مشروع استراتيجي متكامل مستمر، ما دام العدو موجوداً على أرض فلسطين الممتدة من رفح إلى الناقورة، وهي فلسطين التي نؤمن بها في الجبهة الشعبية. وأقول للعدو: لن يهدأ لك بال ما دمت على شبر من فلسطين، وسنظل وراءك حتى كنسك منها.

■ كم بلغ عدد الصواريخ التي أطلقتها الكتائب خلال العدوان؟
- كنا الفصيل الأول الذي كسر حالة الهدوء في غزة. وبعد اختفاء المستوطنين الثلاثة واشتداد العدوان الإسرائيلي في الضفة، تسلمت قواعدنا العسكرية قراراً من القيادة العامة في الكتائب يأمرنا بـ«إسناد انتفاضة أهلنا في الضفة بالنار وبالقصف الصاروخي والعمليات العسكرية». باشرنا بإطلاق الصواريخ على مدن ومغتصبات غلاف غزة، وأطلقنا خلال الحرب 559 قذيفة وصاروخاً ذات أنواع ومديات مختلفة. ضربنا كل الثكنات والوحدات والتحصينات العسكرية التي كانت وحدة الرصد قد أعدت شرحاً مفصلاً عنها، وكل صاروخ أطلقناه عوضناه بأضعاف.

■ قمتم بعدد من العمليات المشتركة مع باقي الفصائل الفلسطينية، كيف كان التنسيق بينكم؟ وهل هناك غرفة عمليات مشتركة؟
- توجد غرفة عسكرية مشتركة، وكل الفصائل ممثلة فيها. مهمة هذه الغرفة التنسيق خلال الاشتباكات الميدانية. نفذنا عدداً من العمليات مع ألوية الناصر صلاح الدين وألوية المقاومة الوطنية وشهداء الأقصى وألوية أبو الريش وألوية الناصر، وأصدرنا بيانات مشتركة باسمنا وباسم رفاقنا. كذلك نفذنا عدداً من عمليات الإسناد الميداني، التي لا نعتبرها عمليات مشتركة. مثلاً، وقع اشتباك محدود بين مقاتلي القسام والعدو، وكان المقاومون محاصرين، فأسندناهم بالنار.

■ هل خضعتم لدورات تدريبية في الخارج، في إيران أو لبنان أو سوريا؟
- نستغرب هذا السؤال. الواجب على الأمة الوقوف إلى جانب شعبنا ومقاومتنا. فالكيان الإسرائيلي يدعمه كل العالم، حتى بعض الدول العربية، وتلك التي ارتدّت عن الاتحاد السوفياتي والتي خرجت من المنظومة الاشتراكية. إذاً ليس مستكثراً علينا أن نجد في أمتنا بقايا خير، وأن يكون محور المقاومة والممانعة معنا. فهؤلاء يدافعون عن عروبتهم وانتمائهم الحقيقي. بالنسبة إلى حزب الله، سأتحدث بما تسمح به الضرورات الأمنية. خاض الحزب حرب استنزاف مشرفة أخرج بها العدو مدحوراً من جنوب لبنان. كذلك سطّر الحزب معركة مشرفة في تموز 2006. ونحن في الجبهة الشعبية لنا تحالفات سياسية مع قوى التحرر والأنظمة الثورية. استفدنا من تجارب رفاقنا في فيتنام ومن خبرة مقاتلي المقاومة الإسلامية في لبنان، وإذا أراد العدو معرفة طبيعة تنسيقنا مع مقاتلي حزب الله، فليدخل غزة براً وليرَ كيف نقاتل، حينها سيعرف كيف استفدنا من خبرة الحزب وفيتنام والجزائر. نحن لدينا الأوامر في إرسال مقاتلينا إلى أي مكان يفتح أبوابه لنا لتطوير إمكاناتهم وقدراتهم.


بعد اختفاء المستوطنين الثلاثة
تسلمت قواعدنا العسكرية قراراً بإسناد انتفاضة الضفة بالنار


نحن وحزب الله وسوريا وإيران وكل الممانعين والمقاومين العرب شركاء في هذه المعركة


■ كيف استطعتم تطويع طبيعة غزة لمصلحتكم؟
- نحن نخوض حرب تحرير، ولسنا جيشاً نظامياً. نحن قوة ثورية كما يقول تشي غيفارا. هذه القوى طبيعة عملها سرية، وتعمل على تطويع الطبيعة لمصلحتها.

■ هل يصلكم دعم من حزب الله في لبنان؟
- حزب الله من ضمن الأحزاب الأكثر نبلاً في الحقبة الأخيرة. ونحن نرى فيه حليفاً، وخنجراً مغروزاً في عنق العدو من جهة الشمال، ونحن الخنجر المغروز من الجنوب، وسيلتقي الخنجران في تل الربيع (تل أبيب) يوماً ما. وأقول إن السيد حسن نصر الله الزعيم العربي الأكثر صدقاً بين العرب، وعندما يعلن دعمه للمقاومة الفلسطينية، فإننا نعرف أنه سيفعل. ونحن في الكتائب جزء من هذه المقاومة وليفهم العالم ما يشاء.

■ كيف استفدتم من خبرات حزب الله؟
- نحترم إخوتنا في حزب الله، لكننا لسنا متحدثين باسمهم. سأتحدث بما تسمح به الضرورات الأمنية، وأنا لا أميل إلى تقديم المعلومات المجانية للعدو، وعليه إذا أراد معرفتها أن يدفع الدم مقابلها، سواء كان ذلك في غزة أو لبنان. أما عن استراتيجية حزب الله كما رأيناها في حرب تموز، فقد اعتمد الحزب على نسق معين لقصفه الصاروخي، إطلاق متواصل للصواريخ واستهداف مساحة واسعة من فلسطين المحتلة. واعتمد حزب الله ثقافة القتال تحت الأرض، وهي ثقافة نفذت في فيتنام والجزائر، ونفذت في لبنان باحترافية عالية، وكل تجربة قتالية خاضها محور المقاومة نفذناها في حربنا الأخيرة. لكن كيف وأين تدربنا، هذه معلومات لن يحلم بها العدو إلا بعد أن يدفع دماء جنوده ثمناً لها.

■ إلى من تهدون انتصاركم؟
- هذا الانتصار هو لشعبنا ولعوائل الشهداء والجرحى، ولكل المقاتلين والصامدين في غزة. لكن بالتفصيل نحن لنا حلفاء أساسيون واستراتيجيون. في هذه المعركة، كان محور المقاومة والممانعة الذي يعرفه العالم شريكاً أساسياً فيه، بالمعنى العملي والملموس، وبالمعنى السياسي والتضامني. نحن وحزب الله وسوريا وإيران وكل الممانعين وكل المقاومين العرب شركاء في هذه المعركة. كذلك الرفاق في أميركا اللاتينية الذين أبدوا أقصى درجات التضامن مع شعبنا شركاء في هذا الانتصار. وسنكون معاً نحن وحزب الله وسوريا وإيران وكل المقاتلين والممانعين في الساحة العربية في الانتصار الكبير الذي سنتوج به نضالنا الطويل بتحرير فلسطين.

■ هل من كلمة أخيرة؟
- نقول لإخوتنا في حزب الله: نحن معكم ومعركتنا معركتكم، ونحن وأنتم سيفان عربيان. نحن وأنتم آخر العرب الأقحاح على ظهر هذه البسيطة، ومن يقاتل إسرائيل هو العربي الجدير بعروبته. وإلى إخوتنا في إيران وحزب الله وسوريا وكل من دعمنا وأسهم معنا في هذه الحرب، بأي شكل كان، أنتم على رؤوسنا ونهديكم انتصارنا. ونحن إلى جانبكم ولن نخذلكم في أي مواجهة مقبلة، وكما كنتم إلى جانبنا سنكون إلى جانبكم حتى تحقيق حلم تحرير شعبنا.




تأسست كتائب أبو علي مصطفى عام 2000، وكان اسمها «قوات المقاومة الشعبية»، وهي الذراع العسكرية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. بعد اغتيال أبو علي مصطفى، الأمين العام للجبهة عام 2001، بدّلت «قوات المقاومة» اسمها إلى «كتائب الشهيد أبو علي مصطفى». وقد نفذت الكتائب عدداً من عمليات استهداف حواجز العدو في الضفة خلال انتفاضة الأقصى، وردّت سريعاً على اغتيال أمينها العام بقتل وزير السياحة الإسرائيلي رحبعام زئيفي.