استغلّ الرئيس التركي رجب طيب إردوغان زياراته لكل من تشيلي والبيرو والإكوادور ليسوّق لأفكاره الخاصة بسوريا، وبشكل خاص معاداته للرئيس بشار الأسد. وكان خطابه يوم أمس في إحدى جامعات البيرو التي منحته شهادة الدكتوراه، تلخيصاً لهذا التسويق المكثف وكأنّه يتحدث إلى الشعب التركي، إذ نقلت محطات التلفزيون التركية خطابه على الهواء مباشرة. فقد خصص إردوغان معظم خطابه لموضوع سوريا، وقال «إن الأسد يقتل شعبه يومياً وهو الذي أسس داعش ويتحالف مع حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي السوري، وجاء بوتين الى سوريا ليدعم هذا القاتل وهو أيضاً يقتل الشعب السوري ولا يحارب داعش». وعكست خطابات الرئيس التركي في أميركا اللاتينية، المتضامنة مع دمشق، المأزق الذي وصل إليه في سياساته في سوريا، وخاصة بعد التدخل الروسي حيث لم يستطع أن يحرك ساكناً مع تقدم الجيش السوري في ريف اللاذقية الشمالي.
استنكر إردوغان تأجيل المباحثات إلى ٢٥ شباط

وكان إردوغان ورئيس الوزراء أحمد داود أوغلو قد «أقاما القيامة وأقعدوها» منذ بدء العمليات في تلك المنطقة، وقالا للشعب التركي إنهما لن يسمحا باقتراب الجيش السوري من الحدود التركية، كما أنهما سيدافعان عن مئات الآلاف (!) من التركمان الموجودين في المنطقة (تبيّن أنهم حوالى ٥ آلاف فقط لجأوا الى تركيا الأسبوع الماضي، كما تبين أن مجموع عدد التركمان السوريين الذين لجأوا الى تركيا خلال السنوات الخمس هو ٢٠ ألفاً، في الوقت الذي كان فيه الساسة الأتراك يتحدثون عن ٣ ملايين تركماني). كما أكد إردوغان ضرورة مشاركة ممثليهم في مباحثات جنيف. وهو الموضوع الذي سافر من أجله رئيس الوزراء داود أوغلو الى الرياض فجأة، ومعه رئيس الأركان خلوصي آكار وهو بالزي القتالي. وهو ما فسره المحللون هنا بأنه إشارة من أنقرة للملك محمد بن سلمان بأنّ الجيش التركي تحت إمرته في أي مهمة قتالية في اليمن أو سوريا أو العراق. وجلس الجنرال آكار على يسار الملك، وكان على يمينه داود أوغلو الذي التقى أيضاً مع وفد المعارضة السورية قبل مغادرته الى جنيف، وتباحث معه «تكتيكات المرحلة القادمة في المفاوضات»، وذلك بالتنسيق والتعاون مع المسؤولين السعوديين، ومن قبلهم القطريين الذين لا تنقطع الاتصالات معهم أبداً.
وجاء هجوم إردوغان العنيف على الأمم المتحدة من البيرو ليعكس مدى فشل السياسة التركية حتى في موضوع جنيف، حيث استنكر قرار الموفد الأممي ستيفان دي ميستورا تأجيل المباحثات الى ٢٥ شباط. وهو ما اعتبره إردوغان «منح المزيد من الوقت للنظام السوري لقتل شعبه». وقصد بذلك العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش السوري للسيطرة على ما تبقى من قرى صغيرة في ريف اللاذقية الشمالي، وإحكام الطوق على حلب وقطع خطوط الإمداد التركية الى الجماعات الإرهابية. وفشل إردوغان وداود أوغلو، قبل ذلك، في إقناع نائب الرئيس الأميركي جو بايدن خلال زيارته تركيا بضرورة التنسيق في موضوع منع «وحدات حماية الشعب» الكردية من السيطرة على الشريط الحدودي من جرابلس حتى القامشلي، حيث هدد المسؤولون الأتراك بالتدخل العسكري المباشر في حال عبور الأكراد نهر الفرات باتجاه منبج، ومنها الى جرابلس.
ودون أن يمنع هذا الفشل بعض المحللين للحديث عن مغامرة إردوغانية محتملة في سوريا لإنقاذ ما تبقى من مواقع المعارضة قبل ٢٥ الشهر الجاري، حتى يتسنى لوفد المعارضة أن يجلس على طاولة المفاوضات وبيده أوراق السيطرة على أكبر عدد ممكن من المدن والقرى والمواقع الاستراتيجية.
كذلك يشير المحللون إلى الضغوط التي يتعرض لها حليفا تركيا، الرياض والدوحة من قبل واشنطن التي يبدو أنها اتفقت مع موسكو حول مجمل الأمور الخاصة بمستقبل الأزمة السورية، التي يراهن إردوغان على مستقبل تطوراتها بعدما خسر كل أوراقها وبشكل خاص بعد الاتفاق الغربي مع طهران وانفتاح الرئيس روحاني على العواصم الغربية.
كذلك، يعرف الجميع أن الرئيس فلاديمير بوتين يتصيّد الفرص للانتقام من إردوغان الذي أسقط "طائرته" دون أي مبرر، كما يعرف هؤلاء أن واشنطن غير مرتاحة من سياسات إردوغان على صعيد الملف الكردي، حيث الاشتباكات العنيفة في المدن الكردية جنوب شرق البلاد. وجاءت زيارة ماك جورك، ممثل الرئيس باراك أوباما الى منطقة عين العرب، ولقاؤه مع قيادات «وحدات حماية الشعب» الكردية «حليفة أميركا في حربها ضد داعش»، إشارة جديدة من واشنطن للرئيس إردوغان الذي يصف هذه «الوحدات» بأنها إرهابية باعتبارها امتداداً لحزب العمال الكردستاني.