منذ إطاحة النظام السابق، بزعامة معمّر القذافي، تصدّرت الفوضى المشهد السياسي في ليبيا. انقسامات حادّة بين المكوّنات، ويد دولةٍ مبتورة، سهّلت «تمدّد» تنظيم «داعش»، وسط البلاد (المثلث النفطي). باتت ليبيا مكبّلة أمام «داعش»، وعرضةً لتدخل دولي، على غرار سوريا والعراق، بحجّة مكافحة الإرهاب.
ثلاثة عناوين تتصدر الأزمة الليبية. تمسك بشرايين الحياة السياسية هناك وترسم ملامح الأيام المقبلة. الأول؛ تشكيل حكومة «الوفاق الوطني». الثاني؛ التدخل الدولي المحتمل؛ والثالث «تمدّد داعش».
تترابط العناوين. فالتدخل الدولي ينتظر تشكيل حكومة «الوفاق الوطني»، التي يترأسها فايز السراج. يحاول الأخير التوفيق بين وجهتَي نظر مجلس نواب طبرق، شرق البلاد، و«المؤتمر الوطني العام»، في العاصمة طرابلس. ودونه «عقبات كثيرة»، بحسب مصدر أممي.
يشير المصدر إلى أن مكوّنات غرب ليبيا، لا يمكن أن تقبل بحكومة تمنح اللواء خليفة حفتر منصب قيادة الجيش. «هذا موضوع يمكن أن يُشعل حرباً أهلية، وهو يقسم المجتمع بشكلٍ حاد».
فحفتر شخصية «جدلية»، لأسبابٍ عديدة. هو ضابط سابق في صفوف جيش القذافي، وحاول الانقلاب عليه. متهمٌ بقتل المئات من الشبّان الليبيين في الحرب مع التشاد. إلى جانب تعامله مع وكالة المخابرات الأميركية «سي أي إيه»، على مدى أكثر من عشرين عاماً. وإبّان إطاحة القذافي، كان حفتر في الولايات المتحدة، وتحديداً في فيرجينيا، «لم يلعب دوراً في الثورة، بل جاء وحاول أن يقطف منها»، بحسب تعبير المصدر.
ويضيف المصدر، أن عقدة تشكيل الحكومة هي شخص حفتر، فطبرق المتمسكة به «ليس حبّاً، بل كرهاً بالإسلاميين»، وخصوصاً «المؤتمر الوطني العام» (يضم «العدالة والبناء» الإخواني، ووجوهاً إسلامية أخرى). وقد استفاد حفتر من دعم مجلس طبرق. واتخذ من المنطقة الشرقية قاعدةً لبناء نفوذه. أسّس علاقات مع مصر، التي تمدّه بالسلاح والمال، غير أنها فشلت في التأثير على القرار الليبي.
ليبيا تغرق بالفوضى:
لا حكومة وحدة
والعقدة حفتر

ويؤكّد المصدر أن السراج في «مأزقٍ حقيقي»؛ فالأخير لا يستطيع استبعاد حفتر من تشكيل الحكومة الجديدة كوزيرٍ للدفاع، من جهة، ولا يمكن أن يعيّنه قائداً للجيش، من جهةٍ أخرى. وفي حال نفّذ السراج وعده، بإبقاء حفتر قائداً للجيش، فسيخسر المكوّن الليبي غرب البلاد.
«في ليبيا، كل شيء ممكن، يمكن أن تشكّل الحكومة بقدرة قادر». لكن السراج سيواجه إشكالية جديدة: هل يمكن أن تحكم حكومته في طرابلس؟ وهل تملك القوّة الكافية لحماية نفسها ومقارّها؟ الجواب سلباً. أم ستدير الحكومة دفّة البلاد من تونس؟ وهذا وارد.
حتى الآن، العنوان الأول في الأزمة غير واضح المعالم. لا يمكن التنبؤ بما سيحصل. لا شيء يبشر بتشكيل الحكومة. هذا ما يؤكّده المصدر، الذي يشدد على أن «الحياة السياسية غير مستقرة، لا أفق للحل في المستقبل». يضرب المصدر الأممي الاتفاق السياسي الذي وقّعت عليه الأطراف الليبية أخيراً، «بعضهم لم يقرأه، بل وقع عليه بشكلٍ أعمى»، غير أنّه «مكتوب بشكل مرقّع».
أما الغرب، فهو في انتظار تشكيل الحكومة الجديدة. وهي «إشارة» الى التدخل المباشر في ليبيا. فبعد تشكيلها، سيُدفع بالحكومة لتطلب التدخل، وهذا ما يوضحه المسؤولون الغربيون في تصريحاتهم.
ومما يتصدر المشهد السياسي الدولي، التلميح اليومي بالتدخل في ليبيا لمكافحة الإرهاب، حيث وجد «داعش» ليبيا أرضاً خصبةً لـ«تمدده».
الثلاثاء الماضي، شهدت العاصمة الإيطالية، روما، مؤتمراً دولياً حضرته 22 دولة، من أعضاء «التحالف الدولي» ضد «داعش»، بقيادة الولايات المتحدة. ناقش المجتمعون وضع خططٍ لمحاربة التنظيم في سوريا والعراق، والبحث عن سبل للحد من تقدمه في ليبيا، بالتوازي مع الإعراب عن «القلق» من تنامي نفوذ التنظيم هناك.
«لم يخرج المؤتمر بموقفٍ واضح». يشير المصدر الأممي، إلى أن وجهتَي نظر سادتا النقاشات. الأولى بقيادة إيطالية ودعم أميركي. أما الثانية فهي فرنسية ــ بريطانية.
وجهة النظر الأولى قائمة على ضرورة التدخل وبسرعة لمكافحة الإرهاب. تحوّلت ليبيا إلى أرض خصبة لـ«الجهاد». جذبت عدداً من الجماعات «الجهادية»، كـ«تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي». وجماعات أخرى من شمال مالي، وعدداً من الطوارق. إلى جانب جماعة «الجهاد والتوحيد». وما يسهّل ذلك، حدود ليبيا «غير المضبوطة».
ترتكز النظرة الإيطالية على أن الوجود «الداعشي» في ليبيا هو خطر على أمنها ويجب ضربه. كما أن روما تعتبر طرابلس امتداداً لها. فليبيا كانت «مستعمرة إيطالية» متقدمة في أفريقيا. مصالح إيطاليا النفطية ضخمة جداً. عدا عن تصاعد أعداد المهاجرين إلى إيطاليا، أحد أسبابها توسّع «داعش». لذا فإن مصلحة الأمن القومي الإيطالي تفرض البدء بمثل عملية كهذه، وقيادتها بنفسها. (740 كلم المسافة الفاصلة بين شواطئ البلدين).
أما وجهة النظر الثانية، والمشتركة بين فرنسا وبريطانيا، فقد عبّرت عنها باريس بشكل صريح. المساعدة في بناء العملية السياسية، وحلّ الأزمة الراهنة، وخصوصاً حكومة «الوحدة». ومن ثمّ تستدعي الأخيرة «التحالف» للعمل على الأراضي الليبية. هنا اختلف الأوروبيون، لكنهم أجمعوا على أن «ليبيا باتت تهديداً للقارة العجوز بأكملها».
لكّن الأميركي لم يتصدّ لقيادة «تحالفٍ» آخر. رحّب بالقيادة الإيطالية. «نظرة واشنطن ترتكز على الجاهزية والاستعداد للدخول. وفق قاعدة حماية المواطن الأميركي من خطر الإرهاب، أينما وجد، قبل أن أجده على أرضي»، بحسب المصدر، مضيفاً «إن الطرف الأميركي غير مهتمٍ بمسار العملية السياسية، فهو ينظر إلى ليبيا كقاعدة إرهابية، وملاذاً خصباً لجهاديي أفريقيا».
بـ«قوّة»، يوجد الجيش الأميركي على الأراضي الليبية، بحسب المصدر. هو موجود بـ«مسميات عديدة». ينفّذ «عمليات موضعية للحد من داعش». يلفت المصدر إلى ما تم تداوله في الأيام الماضية، عن عمليات قنص في سرت لعدد من قادة التنظيم، «هو عمل أميركي، وأصبع واشنطن واضح في ذلك»، وخصوصاً أن للقوات الخاصة الأميركية تاريخاً سابقاً، بعد سقوط القذافي، بتنفيذ عمليات أمنية، في مناطق متقدمة تحت سيطرة «الجهاديين»، أبرزها إلقاء القبض على أبو أنس الليبي، في 5 تشرين الأول 2013.
وعليه، فإن المسار، حتى الآن، غير واضح. ورغم تلميح الغرب، اليومي، فإن رؤية العمليات العسكرية لم تتضح بعد. لا كيفيتها ولا شكلها ولا حجمها. أسئلة عدّة تطرح. هل ستكون مقتصرةً على ضرباتٍ جويّة؟ بالتزامن مع تقدّم برّي لقوات محليّة، التي لم يثق الغرب بأحد منها، رغم محاولات عدّة لخلقها، ما يشير إلى صعوبة الحسم.
وبحسب المصدر، فإن الغرب يتجنّب ملامسة الأراضي الليبية، على صعيد القوى البشرية، والدخول في الصراع المباشر. «الإيطاليون طرحوا أكثر من مرّة إقامة منطقة خضراء في قلب طرابلس، تكون مقرّاً للحكومة الليبية، ويتوكّل بحمايتها من خمسة إلى ستة آلاف عسكري إيطالي»، على غرار المنطقة الخضراء في بغداد. غير أن روما، رغم نفيها، لم تكن مستعدة لتحويل هذا الطرح إلى إجراء عملي، لأنها «ستتورط» بذلك.
يخلص المصدر إلى أن «مؤتمر روما ربط التدخل بالحل السياسي، لكنّ الأخير ليس في متناول اليد»، ما يشير إلى أن الصورة ضبابية. ولكن، بحسب المصدر، ما هو مؤكد أن التدخل سيقسم ليبيا، بين مؤيد ومعارض، إلى جانب ارتفاع رصيد العداء للغرب من قبل الليبيين. ورغم «تفرّق المجتمع واختلافه على كل شيء، لكنّه يتفق على رفض تدخل عسكري آخر لبلادهم».
العنوان الثالث في الأزمة، هو توسع نفوذ «داعش»، بشكلٍ دراماتيكي سريع. فهل التدخل سيوقفه؟ وما هي حظوظه؟ أم أن التدخل سيؤدي إلى توسيع نفوذ التنظيم؟ كما قالت وزيرة الدفاع الألمانية، أورسولا فون دير لاين، أمس. ما هو محسوم أن «داعش يتمدد سريعاً». اتخذ من سرت مقرّاً له. شكّل التنظيم تحالفاً ضمنياً مع أنصار النظام السابق أو «القذافيين»، كما فعل في العراق، مع البعثيين، من أنصار الرئيس الأسبق، صدام حسين.
توسع وسيطرة «داعش» على وسط البلاد (الهلال النفطي)، ترافق مع تقارير غربية وعربية، تشير إلى أن عدداً من كبار قادة التنظيم قدموا إلى ليبيا، في الأيام القليلة الماضية، من سوريا والعراق. وقدّرت وزارة الدفاع الأميركية، «البنتاغون»، أن عدد «الجهاديين» تضاعف إلى ما يقارب 5 آلاف شخص، بينما يتراجع في سوريا والعراق.




دعوات دولية لتشكيل حكومة «الوفاق الوطني»

أعرب «الاتحاد الأوروبي» وحلف «شمالي الأطلسي» عن استعدادهما لبذل جهود أكبر لدعم حكومة «الوفاق الوطني» في ليبيا، بعد اجتماع عدد من المسؤولين الأوروبيين في العاصمة الهولندية، أمستردام، أمس. وقالت وزيرة خارجية «الاتحاد»، فيدريكا موغيريني، «نحن جاهزون لتقديم كل الدعم الممكن لحكومة الوحدة الوطنية، بما يشمل القطاع الأمني، بمجرد أن تبدأ هذه الحكومة بالعمل كما نأمل».
من جهته، رأى الأمين العام لـ«الحلف الأطلسي»، ينس ستولتنبورغ، أن «تزايد نفوذ داعش في ليبيا، يؤكد ضرورة الدعم الكامل للجهود من أجل التوصل إلى حل سياسي، والتوصل إلى وقف إطلاق النار، والاتفاق حول حكومة وفاق وطني».
في غضون ذلك، حثّ المبعوث الأممي إلى ليبيا، مارتن كوبلر، على «سرعة تشكيل حكومة الوفاق الوطني»، مؤكداً أن «الإرهاب تمدد جراء الانقسام السياسي في البلاد». وأشار كوبلر إلى أنه «يتواصل مع أطراف فاعلة في ليبيا لتمكين حكومة الوفاق الوطني من مباشرة عملها من العاصمة طرابلس فور تشكيلها».
في سياق منفصل، قال مسؤول محلي إن اشتباكات عنيفة دارت على مدى اليومين الماضيين، جنوب شرق البلاد، بين فصائل محلية مسلحة ومقاتلين سودانيين أسفرت عن مقتل أكثر من 30 شخصاً.