غزة | قبل الحديث عن نظرة القاعدة الشعبية الكبيرة لحركة «فتح»، في قطاع غزة، إلى حركة «حماس» وأدائها في المقاومة بعد ثلاث حروب، والحكومة بعد ثماني سنوات، فإن من المهم الالتفات إلى تاريخ التعامل بين «فتح الضفة»، الضفة المحتلة، و«فتح غزة». يقول الفتحاويون في غزة إنهم منذ رحيل الرئيس ياسر عرفات تلقوا «غبنا كثيرا» على المستوى التنظيمي أولا، والحكومي حينما كانت السلطة بيد حركتهم. في سبيل ذلك يضربون أمثلة كثيرة كقلة الموازنات التنظيمية المخصصة للقطاع وصولا إلى طرق التعامل الوزاري وجعل مركزية القرار بيد رام الله.
مقابل ذلك، تعاطى فتحاويو غزة مع «حماس» بحذر وعلى مراحل متدرجة، كلها ارتبطت بموقفهم من «حماس» وموقعها من المقاومة، لذلك لوحظ أن حجم التعاطف معها في الحرب الأولى 2008 كان محدودا بسبب آثار الانقسام الداخلي، ما دعا بعضهم آنذاك إلى توزيع الحلوى فرحا باستشهاد عناصر شرطة غزة، لكن في حرب 2012 كان أول المحتفلين بالانتصار في الشوارع هم عناصر «فتح».
اليوم، وبعد الحرب الأخيرة، انقسمت النظرة الفتحاوية نحو «حماس»، فضلا عن الانقسام الداخلي الكبير بين مؤيدي رئيس السلطة، محمود عباس، ومؤيدي القيادي المفصول من الحركة والنائب في المجلس التشريعي محمد دحلان. حتى داخل التيارين هناك قسمان، الأول ينظر إلى أن «حماس» جزء فعال في المقاومة على خلاف النهج السلمي الذي اختارته «فتح»، وآخر يراها جزءا من المشكلة الفلسطينية الداخلية وأنها تجر الحروب والويلات على غزة.
مع ذلك، ظلت «فتح» في غزة تعمل عسكريا تحت عدة مسميات، كما شاركت في التصدي بالحرب بمجموعات مسلحة صغيرة. يكشف أحد كوادر «فتح» الذي فضل إخفاء اسمه أنه منذ بداية الحرب وحتى اليوم دقت طبول حرب فتحاوية داخلية «في ظل اتساع فجوة الاختلاف بين فكرين ونهجين» داخل التنظيم نفسه. من هذا المنطلق، يشير هذا الكادر إلى أن التصعيد الإعلامي الذي قادته الحركة بشأن ممارسات «حماس» مع بعض عناصرها، وإن كان حقيقة، فإن الغرض منه «تذكير الفتحاويين بأن حماس خصمهم».
قادة في الحركة يحاولون تعطيل العمل المسلح في غزة


لجهة الإصرار على الخيار المسلح رغم أن قيادة «فتح» لا تتبنى هذا الخيار ولا تدعمه، فيما تقابل «حماس» عناصر الحركة في غزة بالتضييق، وخاصة في النشاطات التنظيمية الداخلية، يحاول المتحدث باسم «كتائب الأقصى ـ لواء الشهيد نضال العامودي»، أبو محمد، شرح كيف ينظرون إلى المقاومة انطلاقا من غزة التي تسيطر عليها «حماس». يقول أبو محمد: «في فتح ليس أمامنا خيار سوى المقاومة المسلحة، عبر الرصاصة الأولى التي أطلقتها الحركة وتعهدنا من ذلك الحين تحرير الأرض»، مؤكدا أنه لا مانع لديهم من العمل مع باقي الفصائل «وفي مقدمتها حماس» لمقاتلة إسرائيل.
هذا الموقف يربطه المتحدث العسكري بالإشارة إلى أن الأيام أثبتت أن الشعب لن يحتضن أي فصيل إذا ابتعد عن الكفاح المسلح، «وهو ما واجهته فتح فعليا حينما سلمت البندقية واتجهت إلى المفاوضات دون سلاح تدافع به عن شعبها». يتابع أبو محمد لـ «الأخبار»: «لا يخفى أن قادة لهم ثقلهم في فتح يحاولون دثرنا تحت التراب ونفي الاعتراف بنا، لكننا نبههم إلى أن الشعب هو من سيضعهم في تراب التاريخ لتخليهم عن نصرته». ووجّه في الوقت نفسه رسالة إلى مقاومي الضفة بالقول: «غزة انتفضت نصرة للطفل أبو خضيرة الذي قتله المستوطنون وأحرقوه، ودفعت ثمنا باهظا لنصرة الضفة، لكننا للأسف لم نجد من الضفة ما يخفف عنا وطأة الحرب... لا ننكر أن سبب ذلك يرجع إلى السلطة (فتح) التي تقمع كل من يحاول أن يرفع السلاح في وجه إسرائيل».
أما قيادة السلطة التي تقود «فتح» في الوقت نفسه، فتقول إنها قررت خوض أسلوب المقاومة الشعبية بالتوافق مع الفصائل الأخرى، ولاسيما في الضفة، وكان مهندس هذا الفكر هو محمود عباس نفسه بحجة أنها ترمي إلى حماية الشعب، لكن ممارسات الأجهزة الأمنية هناك لا تشير حتى إلى أي دعم لهذه السياسة.
«حماية الشعب» هي الفكرة نفسها الموجودة لدى قيادة «فتح» في غزة، وعن ذلك يقول أمين سر المجلس الثوري للحركة، أمين مقبول، إنه «كان بإمكان فصائل المقاومة تجنيب الشعب ويلات الحرب فعلا في الحرب الأخيرة». يضيف لـ«الأخبار»: «كان لدينا ملاحظات على المقاومة في غزة، لكن لم يكن بمقدورنا إعلانها خلال الحرب، وخاصة أنه كان بالإمكان قبول المبادرة المصرية لولا أن التجاذبات الإقليمية حالت دون التوصّل إلى وقف النار مبكرا».
بشأن موقفهم من المقاومة المسلحة، يرى مقبول أنه لا يمكن تجاهل وجود «فتح العسكرية» في غزة، موضحا بالقول: «جميعنا في الحركة عسكر وكنا معتقلين داخل السجون الإسرائيلية، ولا شك أن من تتحدثون عنهم (كتائب الأقصى) كان لهم اتصالات مع قادة خارج غزة ويتلقون الأوامر منهم». وعن الضفة المحتلة، يقول مدافعا: «أهالي الضفة تفاعلوا بوضوح مع أهلنا في غزة، لكن هناك من يفكر في إطلاق انتفاضة جديدة، وهو قرار يجب أن يكون شعبيا لا حزبيا حتى لا تكون العواقب وخيمة على الشعب كما حدث في انتفاضة 2000».
أما ممثل «فتح» في الدول الأوروبية، جمال نزال، فبارك دور المقاومة في حرب غزة، وخاصة أنها وجهت رسالة قوية مفادها أنها لا تسعى إلى النيل من المدنيين بل العسكريين. يقول نزال لـ«الأخبار» إن جميع الفصائل اعتمدت نهج المقاومة السلمية في توقيعها وثيقة التوافق الوطني، «لكن الحرب الأخيرة أجبرت المقاومة على استخدام السلاح»، مختتما بتأكيد أن «فتح» هي «الوحيدة التي جمعت بين البندقية وغصن الزيتون».