دخلت مصر في مرحلة جديدة تتميز بمواجهة استهدافات أمنية تكتسب دلالات رمزية، حيث إنها تندرج في سياقات متعددة وتتزامن مع بروز الإشارات الأولى إلى استعادة القاهرة، وحكامها الجدد، للدور الإقليمي تحت غطاء المشاركة في التحالف الدولي المزعوم لمحاربة «الإرهاب».
وفي هذا السياق، أعلنت السلطات المصرية، يوم أمس، أن ضابطي شرطة قُتلا في انفجار «عبوة محلية الصنع» قرب مبنى وزارة الخارجية في القاهرة، في أخطر تفجير تشهده العاصمة المصرية في نحو ثلاثة أشهر، وفي عملية أعلن تنظيم «أجناد مصر»، في بيان، تبنيه إياها، لافتاً إلى أنها تأتي ضمن حملة «القصاص حياة»، وتهدف إلى الثأر ممن وصفتهم بـ«الأجهزة الإجرامية».
وكان لافتاً بشأن التفجير تأكيد مصادر أمنية أن المقدم محمد محمود أبو سريع، الذي قتل في الانفجار، هو أحد شهود الإثبات في قضية متهم فيها الرئيس السابق محمد مرسي وعدد من قيادات «الإخوان»، وتتعلق بتهريب سجناء واقتحام سجن كانوا محتجزين فيه إبان الانتفاضة الشعبية التي أطاحت الرئيس الأسبق حسني مبارك عام 2011.
ولم يكن الهجوم أمام المبنى الخلفي لوزارة الخارجية يتيماً يوم أمس، إذ أكدت مصادر أمنية وقوع سلسة من الاختراقات تمثلت في «انفجار أمام الجامعة العمالية وأخرى أمام فندق نادي الشرطة في طنطا، وانفجار قنبلتين بجوار مجمع مدارس في المحلة، مع إبطال مفعول أربع قنابل أخرى في المنطقة نفسها، وانفجار ثلاث عبوات بدائية الصنع في محطة سكك حديد الزقازيق في الشرقية دون وقوع إصابات»، في وقت قتل فيه ستة جنود وأصيب آخر إثر سقوط طائرة نقل عسكرية نتيجة عطل فني مفاجئ.
في السياق العام، تندرج الاستهدافات ضمن مشهد تصعيد متشددين لهجماتهم على أهداف للجيش والشرطة منذ عزل الرئيس السابق محمد مرسي العام الماضي، في وقت زادت فيه التحديات الأمنية التي تواجهها مصر تعقيداً بعد استيلاء تنظيم «داعش» على مساحات واسعة في العراق وسوريا وتأثر جماعات متشددة في سيناء بأفكار التنظيم، إلى جانب جماعات تتمركز على طول الحدود المصرية مع ليبيا المضطربة.
ويبرز كذلك أن سلسلة تفجيرات يوم أمس تتزامن مع بداية العام الدراسي الجديد، كذلك فإنها تأتي بعد ساعات على تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لوكالة «أسوشييتد برس»، التي أكد فيها أن بلاده ستبذل جهدها لدعم الحملة الدولية على التنظيمات المتطرفة التي تنشط في كل من سوريا والعراق. وقال السيسي بخصوص دور بلاده في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة والسعودية: «نحن ملتزمون تماماً تقديم الدعم اللازم للمبادرة الدولية لمكافحة الإرهاب والجماعات المتطرفة، ونحن سنفعل كل ما هو مطلوب». واستبعد الرئيس المصري في الوقت ذاته إرسال قوات ضمن التحالف، قائلاً إن «الجيش العراقي قوي بما فيه الكفاية لمحاربة المتشددين».
وضمن سلسلة الاختراقات الأمنية، برزت رمزية الهجوم الذي وقع قرب وزارة الخارجية على اعتبار أنه يأتي خلال فترة دبلوماسية نشطة شهدتها القاهرة وأشارت إلى قرب استعادة الدولة العربية المركزية لدورها الإقليمي من أبواب دخولها في «التحالف الدولي»، إضافة إلى أنه نفذ بعد وقت قليل من مغادرة الرئيس المصري لبلاده للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة التي ستبدأ في نيويورك خلال الأسبوع الحالي، والتي ستمثل فرصة لا بد أن يستثمرها السيسي لإضفاء غطاء الشرعية الدولية على حكمه المشكك فيه داخلياً. وكانت لافتةً مرافقة سرب من الطائرات الحربية طائرة السيسي إلى حين خروجه من المجال الجوي المصري.
وفي حديث إلى «الأخبار»، رأى الخبير العسكري حمدي بخيت، أن «توقيت الانفجار مرتبط برغبة مرتكبيه في إحراج الرئيس السيسي خلال زيارته للأمم المتحدة لإثبات أن مصر لم تتمكن بعد من القضاء على الإرهاب»، فيما رأى مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير محمد الرفاعي، أن «استهداف مبنى وزارة الخارجية لن يكون له تأثير في طبيعة عملها خلال الفترة المقبلة (...) الفترة الماضية شهدت تطوراً كبيراً في السياسة الخارجية المصرية (...) متمثلة في استعادة العلاقات السياسية الطبيعية بين مصر وباقي دول العالم». ولم يخف الرفاعي «وجود متضررين من السياسة المصرية الجديدة في مقدمتهم تركيا وقطر خاصة مع الثقة التي يحظى بها الرئيس السيسي ورؤيته وتقديره للأحداث من القادة العرب»، مؤكداً أن الدبلوماسية المصرية عادت إلى مكانتها الطبيعية بين دول المنطقة.
وتأكيداً لبدء استعادة القاهرة لدورها، كان وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل قد أكد، أول من أمس، لنظيره المصري صدقي صبحي أن الولايات المتحدة تعتزم تسليم عشر طوافات «أباتشي» لمصر «لدعم جهودها في مكافحة الإرهاب»، دون تحديد موعد.
(الأخبار، اف ب، رويترز)