القاهرة | لم ينقطع الهمس المتواتر في القاهرة منذ فضّ اعتصامي ميداني رابعة العدوية ونهضة مصر، عن «المصالحة» بين مؤسسات الحكم الجديد، المستندة إلى الجيش، وجماعة الإخوان المسلمين. طرفا الصراع الدائر منذ أكثر من عام تكلفا خسائر أنهكتهما، دون أن ينجح أي منهما في القضاء على خصمه، في وقت يعلم فيه الجميع أن أبرز دروس التاريخ المصري الحديث تفيد بأن حكم البلاد لا يكون دون مشاركة أطراف ذات توجهات إسلامية.
الهمس المتواتر صار، إلى حد بعيد، واقعاً وبإشارة رسمية واضحة وصريحة من هرم السلطة في مصر، الرئيس عبد الفتاح السيسي. ففي مقابلة هي الأولى مع وسيلة إعلامية أجنبية منذ تسلّمه السلطة في شهر حزيران الماضي، قال: «دعني أقول بمنتهى الوضوح إن الإخوان المسلمين أخذوا فرصة الحكم في مصر... إذا كانوا يريدون المشاركة فالمشاركة متاحة، لكنها لكل من لا يستخدم العنف»، مشيراً إلى أن «مصر متسامحة جداً مع من لا يلجأ إلى العنف».
إشارة السيسي الضمنية إلى المصالحة غير مفاجئة ومتوقعة لدى الكثيرين من المراقبين، بالنظر إلى مجمل الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بالبلاد منذ بدء المواجهة بين «الإخوان والجيش».
كذلك، حديث السيسي جاء على خلفية سلسلة إفراجات قامت بها مؤسسة القضاء والنيابة العامة المصرية لمسجونين من «الإخوان»، أخلي سبيلهم أخيراً، بالإضافة إلى حديث عن قرب الإفراج عن رئيس مجلس الشعب السابق سعد الكتاتني، ورئيس «حزب الوسط» أبو العلا ماضي، في إطار مساهمات متوقعة في المصالحة المزعومة.
مصدر «إخواني» شغل منصباً كبيراً ضمن مقاعد مجلس الشعب الأخير يوضح في حديث لـ«الأخبار»، رافضاً الإفصاح عن اسمه لأسباب أمنية، أنه يمكن الحديث عن جبهتين داخل «الإخوان». الأولى ترى أنه لا ضمانات لعدم «غدر السيسي» بهم وإعادة اعتقالهم في حال قبولهم المصالحة، في وقت من الممكن الرهان على أن الأحوال الاجتماعية والاقتصادية قادرة على إشعال جذوة الاحتجاجات ضد الحكم الجديد، وأن الحل في إبقاء الشارع ملتهباً. أما الثانية، فترى أن «الجماعة» أُنهكت على مدار العام الماضي، وتراجعت عن أدوارها المجتمعية، وتآكلت صورتها الذهنية وحاضنتها الاجتماعية، ما يفرض التراجع خطوة إلى الوراء والقبول بالمصالحة برعاية طرف وسيط له قوة إلزامية، كأطراف دولية. ويشرح المصدر أن داخل ما بقي من التنظيم «يسيطر أصحاب وجهة النظر الرافضة للمصالحة»، معتبراً أنهم «قادرون حتى الآن على فرض وجهة نظرهم».
أبعاد خارجية أيضاً تفرض ربما حديث الرئيس المصري، في ظل استعادة السياسة الخارجية المصرية لدورها الإقليمي. ملخص تلك الموجبات أشار إليها وزير الخارجية السابق، نبيل فهمي، حين قال، في حديث متلفز مساء أول من أمس، إن واشنطن تريد أن يكون هناك مكان لتيارات الإسلام السياسي في الحياة السياسية، مطالباً في الوقت ذاته بضرورة التأكد من تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي، مضيفاً أنه لا يوصي بالإدلاء بأي تصريحات استباقية عن الشأن الداخلي المصري لإرضاء الخارج.