الخرطوم | أعاد الرئيس السوداني عمر البشير قطار الحوار الوطني، الذي لم يبرح مكانه أصلاً منذ انطلاقته في كانون الثاني الماضي، إلى نقطة الصفر من جديد، بعدما بعث بأكثر من رسالة شديدة اللهجة في اتجاهات عدة.الرئيس، الذي صمت طوال الأشهر الثلاثة الماضية بسبب خضوعه للعملية الجراحية التي أجريت له للمرة الثانية في مفصل ركبتيه، انتهز فرصة مخاطبة مؤتمر حزبه العام في ولاية الخرطوم ليبعث برسائله الساخنة إلى الجميع، من دون أن يستثني أحداً من معارضيه سواء كانوا داخل السودان أو خارجه.

ونالت الجبهة الثورية النصيب الأكبر من هجوم البشير عليها ليعلن رفض حزبه الاتفاق معها، كما وصم كلّ من يتفق معها بالخيانة، في إشارة إلى زعيم حزب «الأمة» الصادق المهدي الذي وقع مع «الجبهة الثورية» اتفاق باريس.
ولم يكتف الرئيس الذي بدا متحمساً في خطابه أمام أنصار حزبه بالتلميح، بل هاجم زعيم «الأنصار» وطالبه بالتبرّؤ من اتفاق باريس إذا أراد العودة إلى البلاد، في لهجة تتسم بالوعيد، طالباً من المهدي نسف اتفاقه مع «الثورية».
غير أن حزب «الأمة» القومي المعني الأول بتلك التهديدات المباشرة من رأس الدولة، أبدى الكثير من اللامبالاة، وجدّد تمسكه باتفاق باريس، باعتبار أنه أعاد الصف الوطني إلى الحديث عن الوحدة والسلام وأنه مكّن القوى الداخلية من الحوار مع المحيط الإقليمي.
ولم يلقِ الحزب ورئيسه الموجود حالياً في العاصمة المصرية بالاً لشروط الرئيس البشير التي وضعها مقابل القبول بعودة المهدي إلى السودان، وجاء رد الصادق المهدي من القاهرة، أمس.
ووفق ما أفادت ابنته مريم الصادق «الأخبار»، فإن والدها سيعود إلى الخرطوم في حال طلب أجهزة الحزب منه ذلك، أو في حال اقتضى الحوار الذي يشرف عليه رئيس جنوب أفريقيا ثابو أمبيكي عودته إلى البلاد، مشيرة إلى أن «وجود المهدي خارج السودان هو بغرض تقوية التحالف مع قوى إعلان باريس خارجياً».ويسود اعتقاد وسط المراقبين بأن خطاب الرئيس الأخير وضع مسيرة الحوار المتعثرة أصلاً على حافة الفشل، بينما يرى آخرون أن تياراً مؤثراً داخل حزب «المؤتمر الوطني» الحاكم أحس بأن الحزب قدّم للأحزاب والقوى المعارضة أكثر مما ينبغي، في الوقت الذي تتمسّك فيه تلك القوى بالعمل على إسقاط النظام وترفع ذلك المطلب كشرط أساسي للدخول في أي مفاوضات مع الحزب الحاكم.
على هذا الأساس، سارع «المؤتمر الوطني» إلى قلب طاولة الحوار وقطع الطريق على الأحزاب والحركات المسلّحة، التي شدد الرئيس في خطابه على رفض فتح منبر جديد لها، متمسكاً بوثيقة الدوحة التي اعتبرها الوثيقة النهائية للتفاوض مع الحركات المسلّحة.
ويرى متابعون أن اللهجة الحادّة التي تعامل بها الرئيس السوداني مع معارضيه، إنما كان القصد منها التعبئة الجماهيرية لأنصار حزبه وتذكيرهم بأن الحزب ما زال قوياً وممسكاً بجميع مفاصل الحكم، وهي خطوة تصب في مصلحة الحزب في حال إجراء الانتخابات في موعدها المحدد في نيسان من العام المقبل.
وعلى الرغم من موافقة رئيس حزب «المؤتمر الوطني» في خطابه، أول من أمس، على قيام حكومة جديدة قبل الانتخابات يشارك فيها الجميع من دون أن يحدّد ما المقصود بالجميع، إلا أن محللين يرون أن طرح الحكومة الجديدة غير واضح، في ظل رفض قادة الحزب الحاكم فكرة الحكومة القومية أو الانتقالية.واستنكرت قيادات في المعارضة اللغة التي تحدث بها الرئيس، واصفة إياها بغير المناسبة، في ظل أجواء الحوار والتوافق الوطني التي يدعو إليها حزب «المؤتمر الوطني»، وخصوصاً أن الرئيس هو نفسه من قدم الدعوة للأحزاب للمشاركة في الحوار.
وبينما بدأت الحركات المسلحة تتهيأ للمشاركة في الحوار الوطني عقب تحركات الوسيط الأفريقي ثابو مبيكي في أديس أبابا، وفيما كانت تنتظر ضمانات من الحكومة لمشاركتها، قطع الرئيس أمامها الطريق لفتح أي منبر آخر غير منبر الدوحة. ومن المعروف أن الحركات الدارفورية المسلّحة الكبرى، كـ«العدل» و«المساواة»، ترفض الانضمام الى منبر الدوحة، حتى قبل توقيع وثيقة الدوحة.