يلقي رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو كلمته من على منصة الأمم المتحدة تحت وقع سياقات متعددة، بدءاً من الحملة الأميركية والدولية على «الإرهاب» في العراق وسوريا، مروراً بالمفاوضات النووية بين إيران والسداسية الدولية، وصولاً إلى المواقف التي أطلقها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، واتهم فيها إسرائيل بشن حرب إبادة على الفلسطينيين في غزة.
ليس من الصعوبة توقع ما تنطوي عليه كلمة نتنياهو التي يفترض أن يلقيها اليوم، وخاصة أن أهدافه في كل من هذه الملفات محددة وواضحة، فضلاً عن أن الاستراتيجية التي يتبعها على المستويين السياسي والدعائي مكشوفة ضمن الخلفيات والمفردات نفسها. مع ذلك، هو حدد العنوان العام لكلمته قبل انطلاقه من مطار بن غوريون أمس متوجهاً إلى نيويورك، وقال إنه سيتصدى خلال كلمته لـ«الأكاذيب» التي تروج ضد إسرائيل، وسيرد على «الكلمة التحريضية» لعباس و«الكلمة المخادعة» التي ألقاها الرئيس الإيراني حسن روحاني.
في سياق الحملة الأميركية على «الإرهاب»، ترتكز الاستراتيجية التي يتبعها نتنياهو على تقديم الاعتداءات التي تمارس ضد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة، وما سبقها في لبنان والمنطقة، على أنها امتداد للموقف والحملة الدولية ضد «الإرهاب». ومن أجل ترسيخ هذه الصورة، سيعمد إلى محاولة تقديم فصائل المقاومة في لبنان وفلسطين على أنها جزء من «الإرهاب». أما عن المفردات التي سيستخدمها في تقديم هذه الصورة، فمن المتوقع ألا يكون هناك جديد في جعبته، وخاصة أنه استنفد الكثير منها خلال المرحلة السابقة ووردت في وسائل الإعلام العبرية.
اجتمع اليمين والمعارضة في إسرائيل على انتقاد «أبو مازن» ومهاجمته


ولجهة المفاوضات النووية التي يفترض أن تختتم في تشرين الثاني المقبل، جهدت إسرائيل طوال المدة الماضية من أجل منع التوصل إلى اتفاق بين طهران والسداسية الدولية، وخاصة أن الاتفاق ينطوي على إقرار دولي بحق الجمهورية في التخصيب على أراضيها، الأمر الذي سيكرسها دولة «حافة نووية». ولهذه الغاية تروج تل أبيب للموقف القائل بأن عدم التوصل إلى اتفاق مع إيران يبقى أقل سوءاً من اتفاق يمنحها حق امتلاك القدرة على التخصيب.
أما عن الرد على خطاب «أبو مازن»، فقد سبقت كلمة رئيس وزراء العدو ردود شملت ألوان الطيف الإسرائيلي كافة، وتراوحت بين منتقد ومفسر ومهدد، وصولاً إلى من رأى في المواقف التي صارح فيها عباس جمهوره والرأي العام الدولي، عن حقيقة التسوية ومجازر إسرائيل، أنها تعبير عن «عدم استعداد فلسطيني للتوصل إلى تسوية نهائية».
مع ذلك، ينبغي الإقرار بأن معسكر اليمين عامة، ونتنياهو خاصة، يجد في مواقف «أبو مازن» فرصة لتقديم الأخير على أنه ليس شريكاً مؤهلاً للتسوية النهائية. وهكذا تكون الحكومة الحالية قد أراحت نفسها من أي التزام بمفاوضات تتناول قضايا الوضع النهائي، وخاصة أنها ترى في تخليد الوضع القائم على الساحة الفلسطينية إنجازاً إسرائيلياً يسمح لها بتوسيع دائرة الاستيطان ومنع إقامة «دولة فلسطينية».
في المقابل، حتى لو ظلت مواقف رئيس السلطة كما هي، فإسرائيل كانت ستواصل توظيف اندفاع عباس إلى خيار التسوية وإصراره على خيار المفاوضات بأي ثمن، علماً بأن هذه الخيارات لم تؤدّ في النهاية إلى أي نتائج، بل جلبت المزيد من الاعتداءات الإسرائيلية والتوسع الاستيطاني، وفوق كل ذلك المشروعية الدولية التي ظللت إسرائيل.
في كل الأحوال، فإن تظهير الأفق السياسي المسدود على المسار الفلسطيني يمهد الطريق أمام نتنياهو للترويج لخطاب سياسي آخر يستند إلى تبلور «أفق سياسي» إقليمي قائم على المصالح المشتركة بين إسرائيل والعديد من الدول العربية التي ترى في «الإرهاب» التكفيري والنفوذ الإيراني خطراً مشتركاً عليها جميعاَ.