«تمخّض الجبل فولد فأراً». هذا هو لسان حال وسائل الاعلام العبرية، تعقيباً على كلمة رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في الجمعية العامة للامم المتحدة. كلمة لم يتردد المعلقون في وصفها بأنها مملة ومبتذلة ومخيبة للآمال.
قد تكون خيبة أمل الإسرائيليين من كلمة نتنياهو، ناتجة عن التمهيد لها طويلاً بـ «المدفعية الاعلامية الثقيلة»، كأنه ذاهب إلى الأمم المتحدة ليفتح العالم أمام إسرائيل، وأيضاً أنها جاءت، كما كانت متوقعاً، مليئة بالانتقاد والاستنكار ومحاولة توجيه العالم إلى ما لا يمكن تحقيقه. وبالأخص أنها خلت من أي مبادرة أو استراتيجية لمواجهة التهديدات التي أثارها نتنياهو نفسه. وكل ذلك فتح عليه أبواب المساءلة والتعرض للانتقادات، بل وأيضاً السخرية والاستهزاء، اللذين كانا بارزين جداً في تعليقات اليوم التالي للكلمة.
القناة الثانية العبرية وصفت كلمة نتنياهو بـ «الساحر الذي يخرج أرنباً من قبعته»، في تعليقها على الاستعانة بصورة غير واضحة اتهم فيها حركة حماس بإطلاق الصواريخ من بين الأطفال. بينما هزئت صحيفة «هآرتس» من الكلمة، وأشارت إلى أنها «جاءت فارغة من اي استراتيجية ومضمون، كما أنها ألقيت أيضاً في قاعة فارغة»، في إشارة منها إلى أن أحداً لم يستمع إليه. أما القناة العاشرة العبرية، فشددت على أن محاولة إقناع العالم بأن إيران و«داعش» هما شيء واحد، «ليست إلا محاولة مثيرة للضحك على الساحة الدولية».
المعلق السياسي في «هآرتس»، باراك رافيد، أشار إلى أن نتنياهو دخل إلى مقر الأمم المتحدة، ووجده خالياً تقريباً «هذه السنة أيضاً وصل رئيس الحكومة إلى نيويورك بعد انتهاء الحفل، وبعدما غادره زعماء الدول الكبرى وعادوا إلى بلادهم، بل واكتفى نتنياهو بأن يلقي الكلمة أمام وزراء خارجية ايسلند والبحرين، فالقاعة كانت خالية في معظمها، والدبلوماسيون الذين كانوا فيها غرقوا في مقاعدهم، وعلامات الملل كانت بادية عليهم». أما لجهة المضمون، فيشير رافيد، إلى أنه اذا كان ثمة في إسرائيل والعالم من توقع أن يسمع من نتنياهو بشرى طيبة، فقد بقي في أعقاب الكلمة مع شعور بخيبة الأمل: الامم المتحدة بقيت كما كانت عليه، وكذلك كلمة نتنياهو. «لقد تكلم كثيراً عن التهديدات والمخاطر، لكن من غير المؤكد أن خطابه اقنع كثيراً من الناس، وكما في المرات السابقة، لم يأت بجديد ولم يقل كيف ينوي حل المشاكل التي تواجهها إسرائيل».
وصفت «هآرتس» نتنياهو بالساحر الذي يخرج أرنباً من قبعته

مراسل «هآرتس» في واشنطن حامي شاليف، وصف خطاب نتنياهو في الأمم المتحدة بأنه مبتذل وباهت ومكرر وعرض فيه «بضاعة لا تجد من يشتريها». وأضاف أن التشبيه بين «حماس» و«داعش»، الذي يحاول نتتنياهو تسويقه، لن ينجح لأنه لن يجد من يوافقه عليه، لهذا فإن محاولات نتنياهو المتكررة للتشبيه بين «حماس» و«داعش»، وبين «داعش» والنازية، وبين النازية وإيران، تبدو كابتذال منفلت العقال.
«كالساحر الذي يخرج أرنباً من قبعته»، هكذا تهكمت القناة الثانية على عرض نتنياهو صورة لأطفال فلسطينيين في قطاع غزة، وهم يلعبون قرب منصة إطلاق قذائف صاروخية. وأشارت القناة إلى أنه في اللحظة التي كان يبدو فيها أن نتنياهو لن يخرج شيئاً من قبعته، وصلت اللحظة الحاسمة وأخرج من تحت منبر الخطابات صورة التقطت من تقرير لقناة «فرانس 24». عرض نتنياهو في البداية الصورة مقلوبة، لكن بعد ثوان قلبها حين تنبه للخطأ.
المعلق السياسي في صحيفة «معاريف الأسبوع»، بن كسبيت، تطرق إلى مهارات نتنياهو الخطابية، ومؤهلاته التسويقية، فوصف الكلمة بالبضاعة الجيدة التي لا يوجد من يشتريها. وقال إن الكلمة كان «كلمة الدفاع» في المحكمة العامة ضد إسرائيل، لكن أحداً في العالم لا يتأثر بما ورد فيها، ليس بسبب ما في كلامه، بل بسبب من قال هذا الكلام. ذلك أن مكانة إسرائيل في العالم لم تكن يوماً اسوأ مما هي عليه الآن.
والأخطر، بحسب كسبيت، أنه لا يوجد في العالم المتحضر من يصدق كلمة واحدة تخرج من فم رئيس حكومة إسرائيل، وهذا هو السبب الذي يجعل خطابات نتنياهو في الأمم المتحدة موجهة إلى أولئك الذين يجلسون في البيت.
صحيفة «إسرائيل اليوم»، المقربة من نتنياهو، تجندت كعادتها للدفاع عن نتنياهو وغردت بعيداً عن شبه الاجماع العام في إسرائيل. أثنت على الكلمة ووصفتها بالخطاب اليهودي الصهيوني. وكتب شلومو تسيزنا مشيرا إلى أن نتنياهو أوضح للإسرائيليين أنه لن يتنازل أبداً عن حق إسرائيل بحدود قابلة للدفاع عنها، وقدم الرئيس الفلسطيني محمود عباس كمسؤول عن جرائم الحرب، وأوضح للأميركيين أنه لا يمكن الفصل بين التنظيمات الاسلامية المتطرفة. و«رغم أن نتنياهو عرض حقائق صهيونية واضحة، إلا أن المعلقين في وسائل الاعلام الإسرائيلية يتجاهلون ذلك».