غدا يوم حاسم في تركيا، التي قررت على ما يبدو دخول الحرب المعلنة في الظاهر ضد تنظيم «داعش» الذي تضاربت الأنباء حول أسره للجنود الأتراك الذين يحرسون ضريح سليمان شاه في منبج، في ريف حلب الشرقي، في ترتيب وتوقيت مشبوهين.
دخول بتفويض برلماني يستهدف على وجه الخصوص حماية المعارضة السورية وفي الوقت نفسه ضرب المتمردين الأكراد في الشمال السوري، بعدما بات واضحا أن عملية ابتزاز كبيرة تجريها أنقرة، التي باتت رعايتها لـ»داعش» مفضوحة»، من أجل التخلي عن الوحش الذي أوجدته بالتنسيق مع الاستخبارات الأميركية وبتمويل خليجي، أساسه قطري. الثمن أصبح معلناً: تعهد أميركي بعدم التخلي عن محاولة اسقاط الرئيس بشار الأسد، وهو ما تولاه جون كيري. وإقامة منطقة عازلة في الشمال يبدو أن تركيا نالت ضوءاً أخضر أميركياً لفرضها، ولكن بواسطة الجيش التركي.
فبعد أسابيع من الإحجام التركي عن المشاركة العسكرية في «التحالف الدولي» لضرب «داعش»، قدّمت أنقرة مذكرة للبرلمان، لإضفاء الشرعية «الديموقراطية» على عملٍ عسكري مرتقب في سوريا على وجه الخصوص، وذلك عبر توسيع نطاق التفويض الممنوح للجيش سابقاً. ويسمح التفويض المرتقب بإرسال قواتٍ تركية إلى سوريا والعراق، وفتح القواعد التركية للقوات الأجنبية، بعدما كان سابقاً يقتصر على ضرب «الأكراد المتشددين» في شمال العراق، و«الدفاع عن النفس في مواجهة أي تهديد من الجيش السوري».
وأعلنت الحكومة التركية، أمس، أن «مقاتلي داعش اقتربوا من مكان الضريح» الخاص بسليمان شاه، إلا أنها نفت أن يكون الجنود الـ 36 المكلّفون حمايته قد وقعوا في الأسر. وقال نائب رئيس الوزراء بولنت أرينتش، في ختام اجتماع للحكومة التركية، إن مقاتلي التنظيم «باتوا حالياً قريبين جداً من الضريح، إلا أن جنودنا لا يزالون في مواقعهم بتجهيزاتهم الكاملة». وكان أرينتش قد أشار، قبل ذلك بقليل، إلى تقدم المقاتلين باتجاه قبر سليمان شاه (جدّ عثمان الأول، مؤسس السلطنة العثمانية) في ريف حلب الشرقي.
وبات من المؤكد أن مجلس النواب التركي سيصوّت بغالبيته على المشاركة العسكرية في التحالف، بسبب توافق أعضائه من حزب «العدالة والتنمية» ومن أحزاب المعارضة ـ باستئناء حزب «ديموقراطية الشعوب» الكردي ـ على ضرب التنظيم في جوارها، وذلك في إحدى المرات القليلة التي تنسجم فيها المعارضة مع الحزب الحاكم، وخصوصاً في إحدى قضايا السياسة الخارجية.
شنت بريطانيا أمس
أولى ضرباتها على مواقع التنظيم في العراق


وبدأت، أمس، جلسات البرلمان التركي لمناقشة المذكرة التي قدمتها الحكومة، في وقتٍ كانت فيه أنقرة تحشد قواتها على حدودها مع تركيا، وخصوصاً على التلال المطلّة على بلدة عين العرب المحاصرة، فيما لم تسلم الأراضي التركية من قذائف «داعش».
وأكد نائب رئيس الوزراء والمتحدث باسم الحكومة بولنت أرينتش أن المذكرة «ستشمل كل التهديدات والمخاطر المحتملة» وستجمع بين التفويضين السابقين الخاصين بسوريا والعراق، مضيفاً أن الحكومة «أخذت كل الاحتمالات بعين الاعتبار خلال صياغة المذكرة»، وذلك بعد اجتماع موسع مع القيادات العسكرية، بحسب أرينتش.
وكانت صحيفة «حرييت» التركية قد استعادت الحديث عن الضريح، أول من أمس، حين نقلت عن مصدرٍ أن «مزاعم» اعتقال التنظيم للجنود الذين يحرسون الضريح عارية من الصحة. من جهتها، أعلنت صحيفة «يني شفق» المقرّبة من الحكومة أن نحو ألف مقاتل من التنظيم «حاصروا ضريح سليمان شاه الواقع على بعد نحو عشرين كيلومتراً داخل الأراضي السورية»، وأن الجنود المكلفين حراسته «مهددون بالوقوع في الأسر».
وتصادف الحديث عن خطف الجنود الأتراك مع البحث في الموافقة على تدخل عسكري تركي في سوريا، يثير تساؤلات عدة. هو أولاً، يعيد إلى الأذهان التسجيل الصوتي الذي سُرّب في آذار الفائت، حين كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يناقش أربعة من كبار المسؤولين الاتراك الذرائع التي تصلح لتبرير تدخل عسكري في سوريا. آنذاك، سُمع رئيس جهاز الاستخبارات الوطنية التركية حقان فيدان يقول «لسنا في حاجة لأي حجج أو مبرّرات للتدخل العسكري في سوريا»، مضيفاً أنّه يستطيع «إرسال أربعة أشخاص يطلقون ثمانية صواريخ نحو الأراضي التركية، أو عناصر من الاستخبارات للقيام بعمل استفزازي ضد ضريح سليمان شاه، ثم نقول إنّ «داعش» هي التي قامت بذلك، وبعدها يتدخل الجيش التركي». إلى ذلك، وعلى صعيد عمليات «التحالف الدولي» المتواصلة، شنّ سلاح الجو البريطاني، أمس، أولى غاراته على مواقع «داعش» في العراق، ودمر موقعاً للمدفعية وعربة تحمل مدفعاً رشاشاً.
(الأخبار، أ ف ب، رويترز)