برلين | قرابة العشرة آلاف مقاتل كردي من قوات البشمركة سيحصلون على عتاد عسكري تصل قيمته الى 70 مليون يورو، بعد انتهاء ورشة إصلاح طائرة النقل، التي كان من المفترض أن تقلع الأسبوع الفائت، ووصول أوّل شحنة من الأسلحة الألمانية الى إربيل. قرار يراه الكثير من الألمان إشكالياً وضبابياً. الأمور تتغير في بلاد «المرسيدس - بنز» كما يردّد العديد من المحللين الألمان، والسبب هو أن حكومة ميركل، وبعد نقاشات يمكن وصفها بالمزعجة، قرّرت الخروج عن قاعدتيها الذهبيتين في ما يخصّ تصدير السلاح. الأولى: لا سلاح للدول التي تخوض حروباً (نستثني بالطبع اسرائيل، التي زوّدتها ألمانيا بالسلاح حتى خلال العدوان الأخير على غزة، وأخيراً بغواصة رابعة من طراز «دولفين» المصمّمة لحمل رؤوس نوويّة والأكثر تطوراً)
والثانية: لا سلاح لجهات أو كيانات غير حكومية ودولية.
فبالنسبة إلى برلين هذه الشروط لا تتطابق مع حالة أكراد العراق، وتسليم أسلحة رشاشة خفيفة وثقيلة، ومضادات للمدرعات، وآليات مختلفة الأحجام، سببه الخطر الدّاهم الذي يمثله ما يسمّى «الدولة الإسلامية» على ألمانيا وهذا يدعو إلى الاستغراب.
وإلى جانب الحرص على مساعدة المدنيين في العراق وإبعاد الخطر عنهم، تعلّل المانيا قرارها أيضاً بمعضلة أخرى، وهي احتمال عودة المقاتلين الألمان في العراق وسوريا (والبالغ عددهم حوالي 400 مقاتل) إلى ألمانيا، ممّا أدّى الى انتقادات في بعض وسائل الإعلام، والكثير من هيئات المجتمع المدني، الذين يرون في القرار التباساً وازدواجيةً في المعايير.
وأبعد من مرحلة المخاوف، يبدو أن برلين لا تحبّذ البقاء على الهامش مستقبلاً، مثلما فعلت خلال مهمّة حلف شمال الأطلسي في ليبيا عام 2011، فهي تريد إظهار ثقل ديبلوماسي وعسكري ملائم لما تمثّله من قوّةٍ اقتصاديّةٍ أوروبيّةٍ محركة. مع العلم أنّ طلبات التسليح العسكري في الدول الأوروبية، وخاصةً الشرقية منها، شهدت انخفاضاً ملحوظاً منذ انتهاء الحرب الباردة، عزّزته الأزمة الاقتصادية الحاليّة. ويبدو أن تصدير الأسلحة الأوروبية الى مناطق الحروب، كما يحصل الآن، لا يختلف كثيراً عن تصديره الى دول لا تحترم حقوق الإنسان ( كالسعودية أو قطر) فالمبدأ واحد، وهو البحث الدّائم عن زبائن جدد. وطالما أنّ الحكومات مستعدّة للدفع، فهذا يعني أن أرباح الشركات المنتجة للسلاح مضمونة. ما يجعل السؤال «لماذا لا تقلص المانيا حجم صناعتها العسكرية؟» مشروعاً. فحتى لو كانت (ألمانيا) الدّولة الثالثة عالمياً من حيث تصدير الأسلحة، فإنّ ثقل هذا القطاع لا يمثّل أكثر من 0.5 بالمئة من مجموع الصادرات الألمانية. وإذا وضعنا جانباً العلاقات المميّزة بين اليمين ومصنعي الأسلحة، ونظرنا بإمعان إلى واقع الجيش الألماني، وهو من الجيوش القليلة في العالم التي تسستعمل على نحو كامل أسلحةً محلية الصّنع، نخلص الى صعوبة جني الأرباح من الإنتاج العسكريّ المخصّص للجيش من دون اللجوء الى التصدير. وهكذا، قرّرت حكومة ميركل تجاهل العديد من المخاطر، أهمّها وقوع هذه الأسلحة في أيدي العدو، كما أنّ تسليح الأكراد ليس بالضرورة الحلّ الأفضل للوقاية من الهجمات الإرهابية على الأراضي الألمانية. ولكون حزب العمّال الكردستاني المحظور في ألمانيا يقاتل الى جانب قوات البشمركة، فإنّ هذا الأمر يضع برلين، بعد قرارها الأخير، في موقف مرتبك ديبلوماسياً، دون أن ننسى أنّ العلاقة بين بغداد وإقليم كردستان ليست بأفضل حال، وأنّ التدخّل الخارجيّ غالباً ما يؤدّي إلى تبدلات خطيرة في العلاقات وموازين القوى.
في الخلاصة، تسليم أسلحة عمرها الافتراضي (التشغيلي) لا يقل عن ثلاثين عاماً سيسهم بالطبع في استمرار تراجيديا الشرق الأوسط، الذي يعدّه الجميع «المنطقة الأكثر تسلّحاً على وجه الكرة الأرضية».