كشف معلق الشؤون الأمنية في صحيفة «هآرتس» العبرية، أمير أورن عن وثيقة سرية تتضمن خطة شن حرب خاطفة على سوريا بهدف إعادة إنتاج واقع جديد في لبنان والمنطقة. الشخصية العسكرية التي وقفت وراء هذه الخطة، لم تكن سوى إيهود باراك الذي كان يتولى آنذاك منصب رئيس «شعبة التخطيط في هيئة الأركان».
وكما ورد في الصحيفة الإسرائيلية، كان باراك مقرباً من وزير الجيش أرئيل شارون في ذلك الوقت، لكنه (باراك) لم يكن مقرباً من رئيس أركان الجيش في الوقت نفسه، رافائيل إيتان. وفي المجمل، سمح له منصبه بالاتصال المباشر مع رئيس وحدة الأمن القومي في الوزارة، الجنرال ابراهام تامير، فاستغل باراك الفرصة للالتفاف على رئيس الأركان إيتان. وأوضحت الصحيفة أن الوثيقة تم تسليمها لشارون عشية العملية العسكرية التي شنتها حكومة مناحيم بيغن على لبنان، وحملت اسم «أورانيم»، وتدهورت لاحقاً نحو ما بات يعرف باسم «حرب لبنان الأولى» عام 1982. في السياق نفسه، لفت المعلق أورن، لدى تناوله الوثيقة، إلى أن الهدف المعلن للحرب على لبنان كان «سلامة الجليل»، ومنع استمرار إطلاق القذائف من منظمة التحرير الفلسطينية على شمالي الأراضي المحتلة، أما الهدف السري فكان خلط كل الأوراق في «رزمة شرق أوسطية»، وإيصال المسيحيين المؤيدين لإسرائيل إلى سدة الحكم في بيروت، وإخراج الفلسطينيين من لبنان إلى الأردن بما يؤدي إلى انهيار المملكة الأردنية وإقامة الدولة الفلسطينية شرق نهر الأردن، في حين تستمر إسرائيل في السيطرة على كل المناطق الواقعة غرب النهر (الضفة الغربية وقطاع غزة). أيضاً كان الهدف تقريب شارون من رئاسة الحكومة، وباراك من رئاسة هيئة الأركان.
من الأهداف
عزل السوريين وطرد منظمة التحرير وإيجاد حكم مسيحي

كذلك، أوضحت «هآرتس» أن مضمون الوثيقة التي امتدت على 1200 كلمة عكس رؤية كاتبها، باراك، السياسية والعملانية، وكانت تعتمد على تفعيل قوة هائلة لـ«خلق واقع جديد يصوغ وعياً وصورة واقع».
ولجهة ما قد يصح تسميته «موجبات المبادرة لشن حرب على سوريا»، ذكرت الوثيقة أن «أورانيم» لا تستطيع تحقيق الهدف الأدنى، وهو منع إمكانية إطلاق القذائف تجاه إسرائيل من دون السيطرة على مناطق تحت سلطة السوريين. أما الأهداف الواسعة فكانت تدمير البنى التحتية في كل الأراضي اللبنانية، بما في ذلك بيروت، والتقرب من المسيحيين بما يفرض التصادم مع السوريين في لبنان. وأضافت الوثيقة أنه «حتى لو كان من الممكن السيطرة عسكرياً على مواقع المقاومة الفلسطينية حتى بيروت، والانضمام إلى المسيحيين من دون التصادم مع السوريين، فإن هناك شكاً في إمكانية تحقيق تغيير قابل للاستمرار في بنية النظام في لبنان حتى يصمد بعد مغادرة إسرائيل (بعد ستة أشهر على سبيل المثال) من دون أن نثبت في وعي كل الجهات في لبنان التفوق الإسرائيلي في استخدام القوة على السوريين».
وتتابع الوثيقة: «كانت الضرورة تقتضي السيطرة على الأجواء من أجل تسريع وتيرة القتال، وفي المقابل، فإن استمرار وجود منظومة صواريخ أرض ـ جو في البقاع، يعرّض للخطر على المدى الطويل مصداقية قوة ردعنا، وبنسبة لا تقل عن ذلك حرية الطيران شرقي البقاع». من هنا رأت الوثيقة أن هذا الأمر يشكل «محفزاً إضافياً لضرورة العمل ضد السوريين في حال تنفيذ عملية في لبنان، ومن غير المعقول فرض قيود على سلاح الجو، وإذا تم تفعيل سلاح الجو ضد صواريخ أرض ـ جو يجب أن يكون ذلك في البقاع، ومن الأفضل تفعيل سلاح الجو ضد كل المنظومة الصاروخية، واستغلال النتائج من أجل تفعيل قوة هائلة من سلاح الجو والقوات البرية ضد القوات البرية السورية، خاصة في الجولان».
السرعة في
إنجاز الخطة كانت ضماناً لتجنّب الاعتراض الأميركي

وتواصل «هآرتس» نقل النص بالسرد: «العامل الحاسم في صورة الواقع هو نجاحنا في هزيمة السوريين خلال وقت قصير وبأقل الخسائر. فمع انتهاء القتال ستكون قضية المقاومة الفلسطينية هامشية في أهمتيها»، وبمعنى آخر «قد نكون في بيئة تاريخية فريدة من نوعها: السوريون منعزلون، وحلفاؤهم المحتملون سينضمون إليهم، وإذا حدث ذلك في وقت متأخر جداً، قسيتحدد موقف الولايات المتحدة من العملية ضد سوريا». ويرى باراك أنه «وفق نتائج الصدام الأول، فالإنجاز الجزئي والتورط هناك سيجلبان ضغطاً هائلاً علينا للانسحاب فوراً، وربما التراجع عن قضايا أخرى بين إسرائيل، وبين سوريا ولبنان». أما الإنجاز الفوري وتدمير صواريخ أرض ـ جو، والسيطرة على شارع دمشق ـ بيروت، والانضمام إلى المسيحيين في الساحل والبقاع وتدمير قوات للجيش السوري، فـ«كلها ستدفع الأميركيين إلى تشخيص سريع للواقع الجديد، وتركيز الجهود الديبلوماسية».
لجهة الأخطار التي تنطوي عليها هذه الحرب المخطط لها، ترى الوثيقة أن من بينها «ضغوطاً أميركية لتجنب تنفيذ العملية، وغياب إجماع قومي للعمل ضد السوريين، إضافة إلى أن من الممكن أن تؤدي العملية ضدهم على نطاق شامل إلى وقف الحرب العراقية ـ الإيرانية، وتحويل جزء من الجهود العراقية إلى الجبهة الشرقية، بل إلى إمكانية تراجع تدريجي في عملية السلام مع مصر وعودة الأخيرة إلى دائرة العدائية الفعالة».
على ضوء ما تقدم، يصبح من الضروري، وفق كاتب الوثيقة باراك، العمل «ضد السوريين بطريقة الحرب الخاطفة، كما في عام 1967». وعلى «المستوى العملاني»، توجد أهمية كبيرة لظروف بدء العملية حتى تتوافر القوة الكافية لتحقيق إنجازات برية فورية تدفع السوريين إلى الهزيمة خلال 72 ساعة، كي يكون الإنجاز الفوري الجزئي قد تحقق خلال 24 ساعة، مثل تدمير منظومة صواريخ أرض ـ جو بكاملها في الجولان، والسيطرة على طريق دمشق ـ بيروت». لذلك، رأى واضع خطة الحرب أنه في أعقاب ذلك «يصبح ممكناً مع ضبابية المعركة تجاه الدول العظمى وحلفاء العرب، منع ردّ ناجع، وبعد جلاء الضبابية سيدفعهم ذلك إلى التسليم بالواقع الجديد الذي تشكل».




المحافظة على سرية الخطة

رأت وثيقة إيهود باراك، التي وضعها في الثمانينيات وكشفت عنها صحيفة «هآرتس» أخيراً، أن استكمال تدمير الجيش السوري في الحرب في لبنان سيكون ممكناً بعملية التفاف عميقة عن طريق البقاع أو الجولان في حال توافرت فرصة تتمثل في تحويل قوات سوريا تجاه دمشق والبقاع». ومما ورد في الوثيقة التي حملت اسم «أورانيم» أنه «يمكن وضع آلية للمحافظة على سرية الخطة، وضمن أسسها تحديد أيام تأهب في بداية أيار 1982، وتحديد موعد لإطلاع عدد صغير من الضباط على الخطط العسكرية». كذلك اقترحت في نهاية أيار تنفيذ مناورة عسكرية شاملة للقوات النظامية والاحتياط «تشارك فيها القوات البرية بأكبر عدد من الدبابات والمدافع في الشمال، إضافة إلى مناورة جوية شاملة».
في ما يتعلق بإخفاء الخطة عن أغلب القيادة السياسية والمؤسسة العسكرية، يكتب باراك في نهاية الوثيقة أنه على ضوء الإشكالات الكامنة في إجراء نقاش بشأن تفعيل قوة مكثفة لتغيير وضع سياسي، «قد يكون من الصعب المناقشة مع المستوى السياسي بصراحة تتضمن تحديد الأهداف على أنها نيات مقصودة، بل ينبغي أن يكون ذلك بمصطلحات (خطة جارور) تتضمن أجوبة عن خيارات تطور الأوضاع الميدانية». ويختم ذلك بالقول إنه على استعداد ليكون ضمن طاقم تخطيط مقلص يضع تفاصيل الخطة.