قد يكون مفهوماً أن يرفض رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، أي انتقاد أميركي يتعلق باستمرار البناء الاستيطاني وتوسعه في القدس، خاصة الجزء الشرقي منها، لكن أن يرى أنه انتقاد يعارض «القيم الأميركية»، فهذا يعني أنه تعمد التصعيد في مواجهة إدارة البيت الأبيض، خاصة أنه لم يكن مضطراً إلى رفع مستوى الرد حتى هذا الحد.
وما يعزز التساؤل عن خلفية نتنياهو في اتهام البيت الأبيض بشأن تمسكه بالقيم الأميركية أن موقف واشنطن كان تقليدياً وامتداداً للسياسة المتبعة منذ سنوات إزاء الاستيطان. أيضاً الموقف الأميركي في مضمونه لا يرفض بالمطلق أي استيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67، بل يدعو إلى أن يكون في إطار اتفاق مع السلطة الفلسطينية، وهو موقف لم يأت في توقيت استثنائي، بل أتى رداً على ما تراه الولايات المتحدة تجاوزاً للمعادلة التي تمهد الطريق لتسوية فلسطينية ـ إسرائيلية نهائية.
ما تقدم يدفع إلى التساؤل عن حقيقة موقف نتنياهو اللاذع الذي يبدو أنه يهدف إلى تعزيز مكانته داخل معسكر اليمين الإسرائيلي، خاصة أن الموقف من استمرار وتوسيع دائرة الاستيطان يشكل جوهر سياسة «اليمين». أما عن المستجدات التي جعلت حاجة رئيس وزراء العدو إلى تعزيز مكانته أكثر إلحاحاً، فهي تعود إلى العدوان على قطاع غزة، وما تلا من سجالات داخلية عامة، وفي معسكر اليمين خاصة، فضلاً عمّا يواجهه من تحديات وأزمات داخلية.
في مقابل كل ذلك، يريد نتنياهو أن يقدم نفسه حامياً للاستيطان، وأنه لا يخضع للضغوط، بما فيها تلك الصادرة عن الحليف الأكبر، الولايات المتحدة. ومن جهة أخرى، يعكس موقفه حقيقة تقول إن إسرائيل تدرك أنه مهما كانت انتقاداتها مهينة للولايات المتحدة، فإن الأخيرة لن تتجاوز ثوابتها لجهة مواصلة الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي، وصولاً إلى احتضانها في المحافل الدولية.
وما يوجب التذكير بهذه الحقيقة أن إساءة نتنياهو أتت في الوقت الذي كان يفترض فيه أنه بأمسّ الحاجة إلى موقف أميركي مؤيد في الأمم المتحدة، وتحديداً بعدما تقدم رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، بمشروعه لحل الصراع مع إسرائيل.
في كل الأحوال، ردّ المتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض، جوش أرنيست، على اتهام نتنياهو، وقال: «عند التحدث عن القيم الأميركية، علينا ذكر أن هذه القيم هي التي جعلتنا ندعم إسرائيل ونموّل مشروع القبة الحديدية، وحماية الإسرائيليين من الرشقات الصاروخية التي يطلقها الإرهابيون، ويظهر جلياً للجميع أي قيم هي التي تحرك الحكومة الأميركية وتحدد مواقفها بالنسبة إلى إسرائيل».

(الأخبار)