الجزائر | حالة استنفار شعبي وعسكري تعيشها منطقة شمال أفريقيا، مع ازدياد تمدد الجماعات التكفيرية في دول المنطقة، من ليبيا إلى تونس والجزائر ومالي، وارتفع منسوب الخوف من تمدد نشاط الجماعات بعد ذبح الرهينة الفرنسية، هيرفي غوردال، الأسبوع الماضي، على يد تنظيم «جند الخلافة في أرض الجزائر»، الذي أعلن ولاءه لتنظيم «داعش».
وأعادت عملية قتل غوردال في منطقة القبائل، وسط الجزائر، إلى أذهان الجزائريين صوراً من تسعينيات القرن الماضي، حيث عرفت البلاد حرباً أهلية دموية، وقفت وراءها جماعات إرهابية مسلحة، ظهرت مباشرة في عام 1992 بعد توقيف المسار الانتخابي في الجزائر، ذهب ضحيتها حوالى 600 ألف جزائري، وتمّ تسجيل خسائر اقتصادية بلغت 50 مليار دولار، إضافة إلى المفقودين والجرحى والأيتام، ولا تزال أوجاعها مستمرة إلى الآن.
وسبق عملية اختطاف غوردال تدهور أمني «خطير» في دول جوار الجزائر من ليبيا إلى مالي، وبشكل أقل في تونس. وكانت الجزائر قد شهدت تراجعاً كبيراً في النشاط الإرهابي الذي قادته عدة تنظيمات وجماعات تكفيرية، كان أخطرها الجماعة الإسلامية المسلحة المعروفة اختصاراً بـ«الجيا»، والتي تحولت إلى "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" وأسست تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي حالياً، إضافة إلى الجيش الإسلامي للإنقاذ، التابع لحزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ الذي حُلّ نهائياً بعد تحميله مسؤولية العنف والإرهاب الحاصلين في البلاد، وهي بدورها تتهم السلطة بالاستيلاء على إرادة الشعب الذي صوّت لمصلحتها في أول انتخابات تعددية وشفافة تشهدها الجزائر، بين عامي 1990 و1991.
وإبان تلك الفترة ظهر على المشهد الجزائري نشاط إرهابي قادته جماعات أخرى، رفعت السلاح تحت ذريعة تأسيس دولة إسلامية وتطبيق الشريعة، كتنظيم «الجزأرة» الذي ضمّ كوادر جامعية من أساتذة ومهندسين وأطباء، وانتهج خط الدولة الإسلامية الجزائرية التي تعتمد الشريعة كمصدر للتشريع، مع الأخذ في الاعتبار خصوصية المجتمع الجزائري، وكذلك كتائب حملت تسميات «الهدى» و«الفرقان» و«الفاروق».
وفيما خرجت الجماعات التكفيرية من المشهد الإرهابي في الجزائر، بقيت أخرى، كـ«إمارة الصحراء» و«عقبة بن نافع» وبعض الكتائب والسرايا، تنشط بمستوى ضعيف في مجال الاختطافات وقطع الطرق وابتزاز المواطنين، كذلك استهدفت الجنود وعناصر الأمن، وتبعت تلك التنظيمات كلها تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» الذي يتزعّمه المدعو عبد المالك دروكدال الذي انشقت عنه عناصر أعلنت أخيراً تأسيس تنظيم جديد تحت مسمى «جند الخلافة في أرض الجزائر» وبايعت زعيم تنظيم «داعش»، أبو بكر البغدادي.
الخبير الأمني والعسكري بن عمر بن جانة لفت إلى أن تنظيم «جند الخلافة في أرض الجزائر» لا يستند إلى أيديولوجية ثابتة. وأضاف بن جانة في حديث إلى «الأخبار» أن «جند الخلافة في أرض الجزائر» هو مجموعة إجرامية تحاول أن تفرض نفسها في الساحة وخطف الأضواء، موضحاً أنه كلّما ظهرت مجموعة إرهابية، سواء في الجزائر أو تونس أو ليبيا، ستسارع إلى إعلان البيعة والولاء لـ«داعش» بهدف تحقيق الشهرة واستقطاب عناصر جديدة، رغم أنها لا تلتقي مع هذا التنظيم، لا بالأهداف ولا بالمصالح.
أما ليبيا فهي تعيش وضعاً أمنياً خطيراً دفع المجتمع الدولي ودول الجوار إلى دق ناقوس الخطر. وتعاني ليبيا من فوضى التنظيمات المسلحة التي اختلفت بين الإرهابية والإجرامية السياسية، أهمها جماعة «أنصار الشريعة» التي تسيطر على عدة مناطق كبنغازي ودرنة، إضافة إلى تنظيم «المرابطون» الذي كان ينشط في شمال مالي بقيادة الجزائري مختار بلمختار، وكذلك جماعة «البتار» التي توصف بالخطيرة بسبب عناصرها القادمة من «داعش».
أما تونس التي شهدت تصاعداً في النشاط الإرهابي بدأه تنظيم «أنصار الشريعة» الذي يتزعمه المدعو أبو عياض، الموجود في ليبيا، فهي تواجه اليوم تنظيماً جديداً قديماً يدعى كتيبة «عقبة بن نافع» بقيادة الجزائري لقمان أبو صخر.
وفي هذا السياق، أشار الخبير في مجال مكافحة الإرهاب، علي زاوي، إلى أن منطقة شمال أفريقيا تعيش وضعاً حرجاً على جميع المستويات، خاصة على المستوى الأمني. وأوضح زاوي في تصريح إلى «الأخبار» "أن الدول العربية التي شهدت ما يعرف بـ«الربيع العربي» ممثلة في ليبيا ومصر وتونس، سوف تعاني من حالة اللااستقرار واللاأمن لمدة تفوق 30 سنة. وكشف زاوي أن توسع دائرة التنظيمات التي تبايع «داعش» سيزيد المشهد توتراً في شمال أفريقيا، خاصة في ليبيا التي بات وضعها على فوهة بركان وثورانه سيمسّ كل المنطقة. وأردف قائلاً إنّ «إيجاد حل ينهي الأزمة في ليبيا أصبح أكثر من ضروري»، متّهماً وسائل الإعلام بلعب دور الوسيط بين تنظيم «داعش» في سوريا والعراق، والجماعات التكفيرية في منطقة شمال أفريقيا، بالترويج لمبايعة المجموعة الفلانية والتنظيم العلاني، الأمر الذي يدفع إلى استقطاب وتجنيد العديد من العناصر، خاصة من فئة الشباب.
بدوره، رأى الكاتب الصحافي والأستاذ الجامعي عبد الكريم تفرقنيت، في حديث إلى «الأخبار» أن "اتساع رقعة انتشار المجموعات الإرهابية في شمال أفريقيا وعدم ضبط عودة المقاتلين من سوريا والعراق، سيوديان بمستقبل المنطقة نحو المجهول".




أهم التنظيمات الإرهابية في شمال أفريقيا

القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي: أكبر التنظيمات الإرهابية في المنطقة، ويمتد نشاطها إلى كل دول المنطقة والساحل.
أنصار الشريعة الليبي: وهو أكبر تنظيم إرهابي في ليبيا.
أنصار الشريعة التونسي: ظهر رسمياً في 2011 بعد الثورة.
جماعة عقبة بن نافع: هي مجموعة من العناصر الإرهابية الجزائرية تنشط على مستوى الحدود بين الجزائر وتونس.
حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا: تنشط على مستوى شمالي مالي وجنوبي الجزائر.