القاهرة | أنهت غالبية الجامعات المصرية استعداداتها للعام الجديد بتشديد الإجراءات الأمنية، بينما أسندت مهمة الأمن الإداري ومتابعة عملية دخول وخروج الطلاب والعاملين والأساتذة في ما يقرب من 15 جامعة إلى شركة «فالكون» للحراسات الخاصة، وهي الشركة التي تولت تأمين الرئيس عبد الفتاح السيسي وحملته الانتخابية خلال فترة الانتخابات.
وجاءت تصريحات عدد كبير من رؤساء الجامعات لتحذّر الطلاب من الانزلاق في أي أعمال «عنف» أو «فوضى» تهدّد العملية التعليمية، وتهدّدهم بالفصل في حال اشتراكهم في تظاهرات سياسية، أو الإساءة إلى رئيس الجمهورية أو أي من رموز الدولة، بينما أصدر بعض رؤساء الجامعات قرارات بمنع العمل السياسي، وحل الأسر الطلابية القائمة على أساس حزبي مثل جامعتي القاهرة والإسكندرية.
وتحاول السلطة الحاكمة في مصر فرض سيطرتها الأمنية والسياسية على الجامعات قبل بداية عام دراسي جديد من خلال حزمة من القرارات والتعديلات القانونية، وذلك بعد عام دموي مضى، تأججت خلاله الاحتجاجات السياسية وأحداث العنف داخل الجامعات، ما أدى إلى مقتل عشرات الطلاب، وحرق بعض مباني الكليات والجامعات وتدميرها.
تحاول السلطة الحاكمة فرض سيطرتها على الحراك الطلابي

البداية: القيادات الجامعية بالتعيين
بداية تلك الإجراءات تمثلت بقرار أصدره، في حزيران الماضي، الرئيس عبد الفتاح السيسي، قضى بإدخال تعديل على قانون تنظيم الجامعات، يلغي انتخابات القيادات الجامعية، ويتيح لرئيس الجمهورية تعيين رؤساء الجامعات والكليات، لمدة أربع سنوات، بناءً على توصيات لجنة تتشكل من المجلس الأعلى للجامعات.
ويتيح التعديل لرئيس الجمهورية إقالة رئيس الجامعة قبل نهاية مدته، بناءً على طلب من المجلس الأعلى للجامعات، وذلك إذا أخلّ بواجباته الجامعية أو بمقتضيات مسؤولياته الرئاسية.
وأثار التعديل جدلاً في الأوساط الأكاديمية. فبينما رأى وزير التعليم العالي الأسبق، حسين خالد، أن ما جرى يأتي في مصلحة الجامعة «لأنه حل وسط بين ما كان يحدث قبل ثورة 25 يناير، حيث كانت القيادات الجامعية يعيّنها رئيس الجمهورية مباشرة دون معايير واضحة... وبين نظام الانتخاب الحر المباشر الذي اتبع بعد الثورة، وجاء بقيادات خاضعة للتكتلات السياسية»، مشيراً إلى أن «هذا التعديل أعاد الوضع للصواب، فهو بين التعيين والانتخاب»، أشار الباحث في المرصد الطلابي في «مؤسسة حرية الفكر والتعبير»، محمد عبد السلام، أن حزمة القرارات الأخيرة «خطيرة». وقال إن «تعيين القيادات الجامعية يعني أن السلطة التنفيذية ستكون صاحبة القرار فى الجامعة وستعين الموالين لها، لا الأكفياء، ما يهدر استقلال الجامعة كمؤسسة تعليمية، وانعكس ذلك بالقرارات التي اتخذتها القيادات الجامعية بحظر الأنشطة السياسية، والتصريحات الفجة جداً من نوعية أنه لا خصوصية لطلاب المدن الجامعية والتهديدات في حالة تظاهر الطلاب». وأضاف عبد السلام أن «كل المؤشرات تقول إن الإدارات الجامعية تسعى إلى استرضاء الدولة أو الرئيس من خلال الهجوم المستمر على الطلاب والتضييق عليهم وعلى الحريات داخل الجامعة ومن خلال أيضاً سد القنوات الرسمية المتاحة لهم للتعبير عن الرأي».
لرؤساء الجامعات الحق في عزل الأساتذة
التعديل الثاني الذي لحق بقانون تنظيم الجامعات ووافقت الحكومة عليه، لكن لم يصدر قرار جمهوري بخصوصه بعد، جاء ليعطي الحق لرئيس الجامعة بعزل أي من أعضاء هيئة التدريس إذا ارتكب أي من المخالفات التي حددها القانون، أبرزها: الاشتراك في تظاهرة تؤدي إلى عرقلة العملية التعليمية أو تعطيل الدراسة أو منع أداء الامتحانات أو التأثير عليها أو التحريض أو المساعدة على ذلك، أو الإضرار المتعمد بالمنشآت الجامعية والتحريض على العنف وممارسة أعمال الشغب في الجامعة.
ولاقى هذا المقترح رفضاً من الأساتذة الجامعيين، حيث قال الدكتور حسين خالد إن «هذا المقترح سيزيد من الاحتقان داخل الجامعة، برغم أن هذا التعديل يستهدف الأساتذة الذين يدعمون العنف والتطرف، لكني أرى أن هناك آليات تسمح لمواجهتهم مثل مجالس التأديب وتعديل اللوائح الخاصة بها لتصدر قراراتها سريعاً»، متمنياً «ألا يصدر قرار بهذا التعديل في القانون».
وعلق محمد عبد السلام على هذا المقترح قائلاً إن «هذا أمر متعارض مع مبادئ الحرية الأكاديمية، لأن عضو هيئة التدريس يجب ألا يتعرض للتضييق أو العقوبات بسبب آرائه وأفكاره، أو بسبب نشاطه السياسي أو الاجتماعي، ما يحدث ترهيب من قبل الدولة وإدارة الجامعة والمجتمع».
منع الأنشطة الطلابية
لحق بتعديلات القانون قرارات اتخذها رؤساء الجامعات على رأسها القرار الذي اتخذه رئيس «جامعة القاهرة»، وتبعه فيه رئيس «جامعة الإسكندرية» بحظر الأنشطة الطلابية داخل الجامعة، وحل الأسر الطلابية القائمة على أساس ديني أو حزبي، وكانت بداية تطبيق تلك القرارات إلغاء معسكر طلابي لطلاب كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في «جامعة القاهرة» اعتراضاً على المحتوى الذي يتضمن مناقشة عدد من القضايا السياسية، ثم أصدرت «جامعة الإسكندرية» قراراً بحل سبع أسر طلابية تنتمي إلى أحزاب وحركات سياسية، على رأسها أسرة «بناء» التابعة لـ«حزب الحرية والعدالة»، والأسر التابعة لأحزاب «مصر القوية» و«الدستور» و«المصريين الأحرار».
قرار حل الأسر الطلابية القائمة على أساس حزبي أثار غضباً بين الطلاب الذين يمارسون نشاطهم من خلال تلك الأسر. وقال الطالب أحمد إسلام، وهو مسؤول حركة طلاب «مصر القوية» في «جامعة الإسكندرية»، إن «هذا القرار غير قانوني لأنه لا مادة في اللائحة الطلابية تمنع العمل السياسي داخل الجامعة، فضلاً عن العمل الحزبي المنحصر أساساً، لأن الأسر الطلابية القائمة على أساس أحزاب مفتوحة للجميع، ولا تشترط للانضمام إليها الانضمام إلى الحزب، مثل حركة طلاب مصر القوية، وهي غير تابعة للحزب».
ويوضح إسلام، لـ«الأخبار»، أن حركة طلاب مصر القوية تتبع «مؤسسة مصر القوية» التي أسسها الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح بعد خسارته انتخابات الرئاسة في 2012، وتضم المؤسسة حركة الطلاب والحزب وجمعيتين خيريتين، «فكيف يشمل قرار الحظر الأسرة وهي غير تابعة للحزب؟».





التشديدات الأمنية على الأرض

لم تقتصر محاولات السلطة لإحكام سيطرتها على الجامعة، على التعديلات القانونية وما تبعها من قرارات لرؤساء الجامعات، بل سعت إلى فرض سيطرة أمنية واسعة على الأرض، خصوصاً في جامعتي الأزهر والقاهرة، حيث بدأت بتصريحات عدد من القيادات الجامعية بأن العام الجديد سيشهد إجراءات استثنائية، تشمل تفتيش الطلاب والعاملين وأعضاء هيئة التدريس، من خلال رجال أمن إداري وبوابات وضعت على المداخل. فضلاً عن قوات الشرطة التي تنتشر بكثافة في محيط الجامعات، والمخوّلة التعامل مع أي اضطرابات أو تظاهرات تخرج من الجامعة، وفقاً لاتفاق بين وزارة الداخلية والمجلس الأعلى للجامعات، وإسناد مهمة دخول وخروج الطلاب إلى شركات حراسة خاصة.
وأعرب الأستاذ في «جامعة القاهرة»، هاني الحسيني، عضو «حركة استقلال الجامعات»، في حديث لـ«الأخبار»، عن قلقه، ليس فقط من حزمة القرارات والقوانين الأخيرة، بل ممّا وصفه بـ«جو الاستعداء على الجامعة».
وقال الحسيني إن «هناك حملة أمنية وإعلامية تصور الجامعة على أنها معسكر للأعداء، بداية من البرامج التلفزيونية التي تتحدث بنبرة استعداء واضحة ضد الجامعات، وصولاً إلى التشديدات الأمنية، فضلاً عن توزيع الجواسيس بين الطلاب وأعضاء هيئة التدريس».