عندما يُسأل القادة العسكريون في الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن النيات السعودية لإرسال قوات عسكرية إلى سوريا، تعتري وجوههم ملامح ساخرة، كما هي حال قائد الحرس الثوري اللواء محمد على جعفري. الرجل الذي سقط بعض من رفاقه خلال تأديتهم «الواجب الاستشاري العسكري» في سوريا كان حاضراً في تشييع عدد من شهداء الحرس الثوري الذين سقطوا في المرحلة الثانية لما يعرف بـ«معركة نصر» في ريف حلب، وتحديداً في فك الحصار عن بلدتي نبل والزهراء.
الرجل الهادئ كعادته سألته «الأخبار» عن تصريحات عسكرية سعودية تظهر نية الرياض إرسال قوات برية مدربة إلى سوريا لمكافحة الارهاب. صمت الرجل قليلاً محاولاً أن يخفي لامبالاته، وبابتسامة معهودة وتنهيدة قال: «إن ذهبوا إلى سوريا فسيطلقون رصاصة الرحمة على أنفسهم». الحديث طال مع الرجل على غير عادته، وهو المعروف باختصار أجوبته بأكبر قدر من الكلمات، إلا أنه استرسل موضحاً أنّ «إرسال قوات عسكرية سعودية وتركية ودول أخرى إلى سوريا هو إعلان هزيمة، فالدعم التسليحي والمادي واللوجستي للمجموعات المسلحة لم ينفع أمام إرادة المقاومة، والجيوش الكلاسيكية لن تستطيع أن تصمد في الميدان، لأن طبيعة الحرب في سوريا مختلفة».
اللواء جعفري، الذي شارك في الحرب العراقية ــ الإيرانية لثماني سنوات، خاض خلالها حرباً غير تقليدية، يدرك جيداً أنّ القوات الإيرانية في سوريا تعمل لتوليف أسلوب جديد بين حرب العصابات والجيوش الكلاسيكية. وهذه المهمة وصلت الى مرحلة حساسة مع الانخراط الروسي في المعركة الى جانب الجيش السوري والقوى الحليفة على الارض، ما يعني أن عملية «نصر» التي أطلقت في الشمال السوري قبل أشهر، وعرفت في إيران بـ«عمليات محرم»، كانت توليفاً جديداً للقوات المقاتلة باستثناء بعض الخبراء العسكريين الإيرانيين الذين خاضوا في الحرب الإيرانية ــ العراقية تجربة مماثلة، عندما كانت قوات الجيش الإيراني هي عمود الدعم المدفعي والجوي، في حين كانت قوات الحرس الثوري تشبه في تشكيلاتها الى حدّ كبير القوات الرديفة في الجيش السوري والمقاومة. واستطاعت خلال تلك الحرب الطويلة أن تعيش تجربة تشابك الأذرع العسكرية وقيادتها لغرفة عمليات مشتركة تخلط بين الكلاسيكي وحرب العصابات، وهي تجربة نقلت الى المقاومة اللبنانية التي طورتها بشكل كبير وأسّست من خلالها مدرسة جديدة لجيش يظهر فجأة بكامل عتاده ويختفى بلمح البصر.
قائد الحرس الثوري الذي سُئل عن أي إرهاب تريد السعودية محاربته، لم يستغرب إمكانية تنفيذ هذا الامر مع تأكيده للصعوية البالغة لتحققه ميدانياً. وقال «فليحضروا، ولا بأس بأن يجرّبوا حظهم، ولا يوجد أمامهم إلا الهزيمة». بهذه الكلمات الواثقة وضحكة ارتسمت على وجهه، استدرك قائلاً: «الصهاينة يعرفون قوة المقاومة واختبروها، ولذلك هم أكثر الأعداء قلقاً من مجريات الاحداث والانتصارات في محيط حلب، أما السعودية وغيرها ممن يفكرون في التدخل في سوريا عسكرياً فهم لم يخبروا قدرة المقاومة... فليجرّبوها».
هذه العبارة التي ختم بها قائد الحرس الثوري تعني أن طهران ترى أنّ أي تدخل عسكري سعودي تحت أي مسمى كان سيكون دعماً للمجموعات العسكرية التي تدعمها، وتحاول زجّها في لوائح الحوار السياسي مع كونها مصنّفة عالمياً على لوائح الارهاب. وبالتالي فإنّ محاربة قسم من المسلحين دون آخر تعني إيرانياً وقوفاً بوجه السلطات الشرعية، وهو أمر يعود إلى الحكومة السورية أن ترد عليه... وبدا الردّ واضحاً في كلام وزير الخارجية السوري وليد المعلم الذي توعّد القوات الاجنبية بالتوابيت الخشبية.