الجزائر | تتضارب تصريحات وآراء مختلف أطراف النزاع في ليبيا، كما في دول الجوار، في ما يتعلق بالحوار الليبي ـ الليبي المرتقب في الجزائر، ما يوحي بأن فرص جمع الفرقاء الليبيين ضئيلة ونجاح المبادرة الجزائرية لحلّ الأزمة سياسياً، ضعيف.
ويواجه الحوار الليبي ـ الليبي المنتظر في الجزائر، خلال أيام، بحسب ما ذكر وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، تحديات كبيرة بعد تصريحات متناقضة لفرقاء الأزمة، كشفت في بعض جوانبها عن شروط كلّ طرف للمشاركة، في مقابل استمرار المواجهات المسلّحة في البلاد وتحفّظ الجزائر عن تقديم موعد الجلسات، وكذلك الأطراف المدعوة، حيث ردّ الوزير الجزائري بخصوص توجيه الدعوة لشخصيات محسوبة على نظام القذافي، من بينها أحمد قذاف الدم، بالقول إن «هذه تفاصيل لن نتحدث عنها الآن»، وذلك على هامش مؤتمر إعمار غزة الذي عقد في القاهرة.
وفي مقابل ذلك، تتجه الأوضاع في ليبيا إلى مزيد من التعقيد، مع تصاعد أعمال العنف وتوسّع دائرة المواجهات المسلّحة بين الميليشيات المنضوية تحت ما يسمى «فجر ليبيا» وأيضا تنظيمات إرهابية كـ«أنصار الشريعة»، الطرف المحسوب على جماعة «الإخوان المسلمين»، من جهة، وقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، المصرّة على المضي قدماً في معركتها ضدّ الإرهاب، من جهة أخرى، الأمر الذي خلق وضعاً صعباً إنسانياً.
وفي حديث إلى «الأخبار»، أكد الرئيس الحالي لحزب «الوطن» وزعيم المجلس العسكري لطرابلس سابقاً عبد الحكيم بلحاج، الذي يعتبر رأس «فجر ليبيا»، أن «حسم المعركة عسكرياً سيحدّد الأطراف التي ستشارك في حوار الجزائر»، موضحاً أن «المواجهات الحاصلة في مختلف مناطق ليبيا ستحدّد موازين القوى، وستسمح بفرض أجندة الحوار المرتقب في الجزائر، الذي نرحب به ونراهن عليه لإنهاء الأزمة والدخول في مرحلة جديدة لبناء الدولة الديموقراطية».
في الإطار ذاته، رأى الباحث في الشؤون السياسية الليبية محمد حسين عمر، أن «نجاح» الوساطة الجزائرية المرتقبة في إدارة الحوار بين الفرقاء الليبيين مرهون بالتطورات الميدانية على الأرض، مشيراً إلى أن «استثناء قادة فجر ليبيا من أي حوار لبحث مستقبل هذا البلد لن يكتب له النجاح».
وأشار عمر إلى أن «الوساطة الجزائرية أهم من المبادرة الأممية، على اعتبار أن الأمم المتحدة تبحث إنهاء الاختلاف السياسي حول البرلمان والحكومة التي تسير برأسين، وتتجاهل ما يحدث على الأرض، بيد أن الجزائر تبحث إنهاء الصراع المسلّح».
ويحاول «إخوان» ليبيا التقليل من حدة الانتقادات والاتهامات الموجهة إليهم وللإسلاميين عموماً، بمسؤوليتهم عن تدهور الأوضاع في ليبيا ووضع البلاد أمام هاجس الحرب الأهلية، من خلال تصعيد العنف وتوسيع نطاق المواجهات المسلّحة ورفض الحوار ونداءات وقف إطلاق النار، مشترطين إعادة أنصار القذافي للأموال المنهوبة وتقديم أنفسهم إلى العدالة.
وقال العضو البارز في حركة «العدالة والبناء» التابعة لـ«الإخوان المسلمين» ناصر المطرود في اتصال هاتفي مع «الأخبار»، إن من يروّج لـ«أن الإخوان يقومون بتمزيق ليبيا هم من أنصار القذافي، وغالبيتهم مطلوبون لدى العدالة، يقومون بذلك لفرض شروطهم خلال جلسات الحوار والعودة للحكم». وأضاف أن «الحوار أولى مع شرفاء ثورة فبراير وليس مع من تلطخت أيديهم بالدماء مثل قذاف الدم الذي نهب مليارات الليبيين وخزنها في الخارج، وهي في الحقيقة أموال الشعب، كذلك فإنه شخص شارك في قتل الناس ولدينا قائمة بضحاياه».
ويأتي هذا الموقف بعدما اتهم أنصار القذافي، وعلى رأسهم قذاف الدم، في بيان اطلعت «الأخبار» على نسخة منه، «إخوان» ليبيا بقيادة حزب «العدالة والبناء»، بتهجير 50 ألف ليبي إلى الجزائر وتونس ومصر، معتبرين أن جماعة «الإخوان المسلمين» مزقت ليبيا، وأدت إلى احتلالها من حلف شمال الأطلسي وقطر وتركيا.
أما الجهة المقابلة الممثلة في اللواء المتقاعد خليفة حفتر، فترى أن التفاصيل المتعلقة بحوار الجزائر غامضة. وأوضح مصدر مقرب من قائد حملة «الكرامة» لـ«الأخبار»، أن اللواء حفتر لم يتلقّ دعوة للمشاركة في الحوار، مضيفاً أن «مسألة مشاركته مرتبطة أساساً بجدول الأعمال والبرنامج، وخاصة بنوعية الشخصيات المدعوّة التي يجب أن تشمل أيضاً أعضاء من برلمان طبرق وحكومة عبد الله الثني».
ورداً على سؤال بشأن إمكانية جلوس اللواء حفتر على طاولة الحوار مع عبد الحكيم بلحاج، قال المصدر إن «حفتر غير مستعد لحضور جلسات مع عبد الحكيم بلحاج، أو أي ممثل عن فجر ليبيا، من الذين ينفذون أجندة خارجية على حساب الشعب الليبي».
وعلى خط آخر، هناك في ليبيا قوى ديموقراطية لا تميل إلى أيّ من طرفي النزاع، غير أن لها دوراً وتمثيلاً شعبياً وسياسياً واسعاً، يقودها رئيس الوزراء السابق محمود جبريل، الذي أبدى استعداداً للمشاركة في حوار الجزائر بشروط، حصرها القيادي البارز في «تحالف القوى الوطنية»، خالد بوزنين، في تصريح لـ«الأخبار»، في جدة الحوار وتقديم الضمانات بشأن الوقف الفوري لإطلاق النار وعدم إقصاء أي طرف وإعلان مصالحة وطنية.
أما في الجزائر، فتشير مصادر مسؤولة إلى دخول أطراف أخرى إلى الساحة الليبية. فقد اعتبرت الجزائر رعاية «مؤسسة بن جلون» المغربية، مؤتمراً ليبياً في جنيف، من أجل حلّ الأزمة التي تعصف بالبلاد وتغليب الحوار على العنف، شاركت فيه أطياف سياسية وممثلو القبائل الليبية من بنغازي وطرابلس ومصراتة وصبراتة والجنوب الليبي، إضافة إلى عدد من الشخصيات الليبية المعروفة كسفير ليبيا في البحرين فوزي عبد العالي والسفير الليبي في الهند إدريس عيساوي، بأنه إشارة واضحة إلى إبعادها عن قيادة أي مبادرة لمصالحة ليبية.
لكن المصادر كشفت لـ«الأخبار» عن لقاء جمع، منذ يومين، عبد الحكيم بلحاج ووكيل وزارة الدافاع الليبية خالد الشريف، إضافة إلى أحد الأعضاء البارزين في «الجماعة الإسلامية» الليبية المقاتلة وآخرين من قيادات «فجر ليبيا» بسفيرة الولايات المتحدة الأميركية التي فرّت من ليبيا، في أحد فنادق جزيرة مالطا، من دون أن تتسرّب معلومات عن فحوى اللقاء.
وتابعت المصادر أن هذه اللقاءات السرية تضع الحوار الليبي ـ الليبي، الذي تقوده الجزائر في مواجهة عراقيل، بسبب تصلّب مواقف الأطراف المعنية وتمسّكها بشروط تعجيزية، قد تكون من نتائج تلك الاجتماعات التي تجري بعيداً عن الأنظار.
وفي ظل هذا التضارب والشروط المسبقة وتبادل الاتهامات بين مختلف الأطراف، تخرج الحكومة الليبية عبر تصريحات لرئيسها عبد الله الثني ووزير الخارجية محمد الدايري، لتنفي علمها بموضوع الحوار المقرر في الجزائر، ولتقول إنها لم تُستَشَر أو توجَّه الدعوة إليها، مقابل تأكيد الجزائر استمرار التحضيرات للحوار المقرر، الشهر الحالي، بحسب وزير خارجيتها رمطان لعمامرة، الذي أوضح أن الاتصالات مستمرة مع مختلف الأطراف الليبية، ما أضفى غموضاً على ملف الحوار الليبي في الجزائر، وما قد يؤجّل إنهاء الأزمة إلى وقت لاحق، فتبقى ليبيا ومعها منطقة شمال أفريقيا في مواجهة المجهول.