كشف الإعلام العبري، قبل أيام، أنّ استمرار القتال بين الحليف الأذري الاستراتيجي وأرمينيا، هو مصلحة إسرائيلية ويعدّ فرصة لمزيد من المكاسب في المنطقة القوقازية المحاذية لإيران. وإذا كان من المستبعد أن يصدر عن تل أبيب موقف رسمي يعلن انحيازاً واضحاً للحليف الأذري، كي لا تثار حفيظة أرمينيا، إلا أن ذلك لا يلغي أن إسرائيل طرف بشكل أو بآخر، ربطاً بكونها المزود الرئيسي للجيش الأذري بالسلاح النوعي، المؤثر في سير المعارك.
هذه الحقيقة دفعت يريفان إلى الاحتجاج لدى إسرائيل على تزويد الجيش الأذري بالأسلحة، واستخدامها ضد الجيش الأرمني. احتجاج وصفته صحيفة "هآرتس" أمس، بـ"الحاد جداً"، نقله إلى تل أبيب سفير أرمينيا لدى مصر وإسرائيل، أرمن مالكونيان، الذي التقى مسؤولين في الخارجية الإسرائيلية لهذه الغاية، ولفت إلى أن الأذريين يستخدمون السلاح الإسرائيلي لاستهداف الأرمن، وقد استخدموا طائرة "انتحارية" إسرائيلية من دون طيار، لضرب حافلة كانت تقل متطوعين أرمن للدفاع عن ناغورني كاراباخ، أدت إلى مقتل سبعة منهم وجرح آخرين.
في مقابل الاحتجاج الأرمني، وفي نبأ لافت جداً، أشارت صحيفة "جيروزاليم بوست"، إلى أن أذربيجان احتجت أيضاً لدى إسرائيل وطالبتها بموقف رسمي واضح من القتال المتجدد في الإقليم. وقال المستشار السياسي للرئيس الأذري، علي حسنوف، في حديث إلى الصحيفة، إن بلاده تتوقع من إسرائيل أن تتحدث علناً عن القتال بين الجانبين، وأن تستخدم علاقاتها الجيدة مع الولايات المتحدة وتطلب من واشنطن الضغط على أرمينيا لإيقاف القتال، والدخول في مفاوضات سياسية.
هل سيجد الاحتجاج الأرمني استجابة عملية من تل أبيب؟ من المستبعد أن يبادر الإسرائيليون إلى ما من شأنه التخلي عن مصالحهم في أذربيجان مراعاة للمصالح الأرمنية، ويتوقع أن يستمر الصمت الرسمي، والامتناع عن اتخاذ مواقف علنية، رغم الانحياز العملي إلى جانب أذربيجان التي تعد وفق توصيف صحيفة "يديعوت أحرونوت"، "ذخراً استراتيجياً من الدرجة الأولى لإسرائيل"، إذ إنها إضافة إلى موقعها الجغرافي القريب من إيران تعدّ سوقاً كبيراً للسلاح الإسرائيلي، وموردها الرئيسي للنفط، كما أن لتل أبيب طموحاً بأن تتحول أذربيجان إلى معبر للغاز الإسرائيلي، باتجاه آسيا ودول القوقاز.
قناة إسرائيلية: زيارة علييف لواشنطن في صلب الدوافع الروسية

في عام 2012، وخلال زيارة لباكو، قال وزير الخارجية الإسرائيلي في حينه، أفيغدور ليبرمان، إن العلاقات مع أذربيجان «لا يمكن أن تكون أفضل مما هي عليه الآن، لأنها تتميز بالثقة التامة والفعالية»، وهذه الفعالية، كما أظهرت التقارير العبرية لاحقاً، (يديعوت أحرونوت 30/01/2014) أنتجت اتفاقات سياسية واقتصادية وأمنية هائلة، من بينها السماح لسلاح الجو الإسرائيلي باستخدام المطارات العسكرية الأذرية لإجراء تدريبات أو شن هجمات، وأيضاً شراء إسرائيل قاعدة جوية سوفياتية سابقة بالقرب من الحدود الإيرانية، يطلق عليها اسم «أذربيجان»، مع صفقات متتابعة بلغت قيمتها خمسة مليارات من الدولارات في السنوات الأخيرة، تتعلق بسلاح نوعي إلى الجيش الأذري.
وإذا كان "الاحتجاج" الأرمني على تزويد الجيش الأذري بالسلاح تركز على الطائرات من دون طيار، إلا أن العلاقة حول هذه المسألة تحديداً تتجاوز مسألة الاستيراد والتصدير. فوفق مراسل القناة الأولى العبرية للشؤون العسكرية، أمير بار شالوم (14/10/2014)، تشغل إسرائيل مصنعاً في أذربيجان لإنتاج طائرات غير مأهولة لمصلحة الجيش الأذري، و"المصنع يدار من قبل مهندس إسرائيلي، يشرف على الإنتاج والتركيب، كي يتلاءم مع المعايير الإسرائيلية".
وفق موقع "إسرائيل ديفنس" المتخصص بالشؤون العسكرية، لا تقتصر العلاقة على الطائرات غير المأهولة، إذ تزود إسرائيل أذربيجان ببطاريات مدفعية وأجهزة اتصالات وزوارق بحرية من نوع «شلداغ»، وأيضاً ذخائر، وصواريخ مضادة للآليات من نوع «سبايك»، وغيرها...
على هذه الخلفية، يمكن فهم الكتابات الإسرائيلية التي تدعم أذربيجان، ضد أرمينيا، بل تصل إلى حد اتهام موسكو، حليفة يريفان، بأنها وراء إشعال الحرب الدائرة في إقليم ناغورني كاراباخ، خدمة للمصالح الروسية. موقع قناة 24 الإسرائيلية أشار، في تحليل له، إلى أن إشعال نار النزاع في الإقليم، في هذا الوقت تحديداً، يأتي خدمة للمصالح الروسية، وذلك بعد التحسن الذي طرأ على العلاقات الأذرية مع الولايات المتحدة ومع الغرب عموماً.
وتلفت القناة إلى أن نتائج زيارة الرئيس الأذري، إلهام علييف، للولايات المتحدة كانت في صلب الدوافع الروسية لإشعال القتال في الإقليم، وخاصة أن اجتماعاته مع المسؤولين الأميركيين كانت مثمرة، وحظي باستقبال حار في واشنطن، ولاقت سياسته الرامية إلى تعميق العلاقات مع الولايات المتحدة ترحيباً شديداً لدى الإدارة الأميركية.
وإنّ تصاعد ألسنة اللهيب في ناغورني كاراباخ، كما تؤكد القناة الإسرائيلية، يأتي قبل هبوط طائرة الرئيس الأذري في باكو عائداً من واشنطن، وهو إشارة من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لعلييف، تهدف إلى ردعه عن التمادي في تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة. وتلفت القناة إلى أن هذا الأسلوب هو نفسه الذي اتبعه بوتين من قبل بتعامله مع جورجيا ومولدوفا وأوكرانيا.
وتشير القناة إلى أن الرئيس بوتين يسعى من خلال تجديد القتال في الإقليم الأرمني إلى إرسال إشارة إلى الغرب، وأن يوضح للولايات المتحدة وللأوروبيين أن مفتاح تسوية النزاع الحدودي بين أرمينيا وأذربيجان، وعودة أراضي أذربيجان من أرمينيا، وكذلك السيطرة على منطقة القوقاز، هي فقط في متناول اليد الروسية.