غزة | «محاربة الرذيلة والتبرج، والسعي إلى إقامة حكم الله والنهي عن المنكر»، عناوين لنحو 15 عملية تفجير جرت غالبيتها في جنح الليل بعد سيطرة حركة «حماس» على الحكم في غزة، ونسبت إلى جهات مجهولة، أو أخرى «جهادية» و«سلفية» حملت أخيراً اسم «داعش ـ ولاية غزة».

بعض تلك العمليات جرى الإعلان عنها عبر بيانات في شبكات التواصل، فيما كشفت ملابسات بعضها وزارة الداخلية التابعة للحكومة السابقة في غزة، وأخرى ظلت طيّّ الكتمان سوى تسجيلها في مذكرات المراكز الحقوقية. في البداية، كانت التفجيرات تستهدف مقاهي إنترنت ومحال لبيع الأشرطة الموسيقية، وقليل منها استهدف مراكز حكومية أو دينية أو ثقافية.
تقول مصادر مطلعة على التركيبة الإسلامية في غزة إن الجهاد العالمي أصاب أرض القطاع كما أصاب الدول العربية كافة، وصارت البيعات تؤدى عبر «السكايب»، ونسق آخرون سفرهم إلى العراق وسوريا ودول أخرى تحت دعوى «الجهاد لإزالة الحدود ومحاربة الأنظمة الكافرة»، وتكشف أن «حماس» وإن لم ترع هذا الخروج رسمياً، فإنها على الأقل غضّت النظر عنه، ولا سيما أن عدداً من العسكريين الذين شكلوا تلك المجموعات كانوا كوادر أو حتى قيادات في كتائب القسام وتعرضوا للاعتقال لديها سابقاً.
وما بين التفجيرات الداخلية والسفر للجهاد في الخارج، سجل لبعض هذه التيارات المشاركة في إطلاق صواريخ على الأراضي المحتلة، لكن «الحنق الحمساوي» عليها أنها تتعمد إطلاق الصواريخ في أوقات الهدن، فيما تتفق غالبية الفصائل على موعد وقف التصعيد وبدئه في حال الحاجة. وليس بعيداً أن الحرب الأخيرة اشتعلت شرارتها الأولى بعد اغتيال ثلاثة جهاديين كانوا يطلقون صواريخ بصورة متفرقة (واحد شمالي القطاع، واثنان غربي غزة)، وتلاه اغتيال كوادر من «القسام» وسرايا القدس (الجهاد الإسلامي)، فتدحرجت كرة النار.
ويبدو أن تفجير المركز الفرنسي في غزة مطلع الشهر الجاري أعاد الضوء على نشاط هذه الجماعات وتكرار دورة عملها مجدداً، وخاصة مع انتهاء الحرب وإقفال المعبر على خروج «المجاهدين». وإن كان بعض كوادر «فتح» يرون أن تخفيف القبضة الأمنية على هذه المجموعات غرضه إحراج حكومة «التوافق» التي يرأسها وزير الداخلية فيها، رامي الحمدالله، فإن المتفق عليه أن ما يحدث يثير حالة من الخوف لدى الغزيين، وخاصة لما يدور حولهم في سيناء أولاً ودول الشتات التي يعيش فيها أقرباؤهم وتأثرهم بكل هذه التغيرات، فيما أخذت الحرب على «داعش» الضوء عن غزة.
حتى الانفجار الأخير في المركز الفرنسي كان دويه قوياً جداً إلى درجة أعادت وقع الحرب الأخيرة على الغزيين، فانتظروا قليلاً حتى اطمئنوا إلى أن الحادث «داعشي ـ داخلي»، علماً بأن نتائج التحقيق الرسمية فيه لم تظهر بعد.
ومن التسميات التي استعملت في غزة خلال البيانات الإعلامية والمرئية لتلك الجماعات «سيوف الحق الإسلامية في أرض الرباط»، و«جند أنصار الجهاد والسنّة»، أما الاسم المتعارف عليه شعبياً لها، فهو «جلجلت» (مطلع نشيد)، وأخيراً ظهرت «دولة العراق والشام الإسلامية - ولاية غزة).
وفضلاً عن النظرة التقليدية إلى التيارات اليسارية في غزة على أنها ملحدة ويجب قتلها، كما ترى هذه الجماعات، فإن النظرة إلى كل من «حماس» و«الجهاد الإسلامي» اللتين تقعان في خانة التيار الإسلامي نفسه ليست أفضل حالاً، فالأولى «لم تطبّق شرع الله»، والثانية «حركة شيعية قريبة من إيران»! ويبقى الموقف من «فتح» متراوحاً بين رؤيتها «ولي أمر يجب طاعته» أو على رصيف الحياد.
على المستوى الميداني، ظهر من طرق تنفيذ التفجيرات الداخلية اختيار أفراد الجماعات السلفية الأوقات الليلية، مع خلوّ الحركة من المارة، وتحديداً من بعد منتصف الليل حتى صلاة الفجر، فيما ليس هناك مكان محدد.
«حماس» التي حاربت هذه الجماعات في مواجهات مسلحة ومباشرة، أكدت أنها على خلاف تلك الأفكار وتنطلق من «تيار إسلامي وسطي». ويقول الوزير السابق في حكومة غزة، عطا الله أبو السبح، إن رأيهم أن «النهي عن المنكر بالقوة لا يكون سوى من صلاحيات الحاكم وفق ضوابط وأحكام شرعية». وعن علاقتهم بالجماعات السلفية، قال: «الإسلام يوحد الجميع، وعلاقتنا القوية مع الجماعات السلفية الدعوية لا المتشددة».
وتنفي الحركة أن هناك ظاهرة اسمها «داعش غزة»، وتقدم الأحداث الأخيرة على أنها «جرائم اعتداء وليست جرائم أمنية»، لكن «سكوتها لمدة عن مثل هذه الأفعال جعل بعضهم يشكون في موقفها من هذه الأفعال بل حتى الوقوف خلفها»، يقول مدير مركز رام الله لدراسات حقوق الإنسان إياد البرغوثي.
ومن الأهمية بمكان البحث عن موقف كتائب القسام من تلك الجماعات، إذ يؤكد أحد القادة الميدانيين في الكتائب، ويدعى أبو يوسف، أنه لا علاقة لهم بالأفراد الذين يخرجون من غزة للقتال في الخارج. ويضيف لـ«الأخبار»: «معركتنا ضد الاحتلال الإسرائيلي، ولسنا طرفاً في الصراعات الإقليمية الأخرى... الذين يخرجون من غزة للقتال مع أي طرف لا يمثلون إلا أنفسهم». ويشير أبو يوسف إلى أن مهمة الحفاظ على الأمن في الأوضاع الطبيعية من عمل الحكومة، «وليس من مهمة القسام، لكننا تدخلنا في السابق لمساندة الحكومة في بسط الاستقرار، والآن وزارة الداخلية قوية وقادرة على الحفاظ على الأمن».
ويرى اختصاصيون اجتماعيون أنه فضلاً عن تأثير الإعلام والإنترنت على الشباب في غزة، فإن حالة الفقر الكبير تدفعهم أكثر نحو التطرف. وكذلك يظهرون تخوفهم من تحول القطاع من بيئة مقاومة إلى حالة خصبة لمثل هذه الأفكار، لكن أستاذ العلوم السياسية، ناجي شراب، يحاول التقليل من مخاطر هذه الظاهرة، إلا أنه لا يستبعد أن تستمر حالة العنف في غزة وتزداد وتيرة التفجيرات. ويعزو شراب عَودة هذه الحالة إلى أن «أصحاب الفكر التكفيري في غزة، مع ازدياد عددهم، لا تعجبهم حالة التقارب المرتقبة بين فتح وحماس».
الخبير في الشؤون الأمنية سامي الأخرس، قال بدوره لـ«الأخبار» إن «التنظيمات الفلسطينية، وخاصة الإسلامية، وفّرت مناخاً أوّلياً للعناصر المتطرفة للتدريب وزيادة قدراتهم العسكرية». وأضاف: «بدأت هذه الظاهرة في رفح بعد خروج عناصر للوقوف ضد حكومة غزة، كما حدث مع أبو عبد الله السوري وجماعته التي كان أغلب عناصرها من كتائب القسام في الأصل». وتوقع الأخرس أنه إذا تحققت المصالحة ورفع الحصار عن غزة، «فستضعف ظاهرة التطرف».




قائمة بعمليات التفجير في غزة

بعد التواصل مع عدة مراكز حقوقية في غزة استطعنا جمع أهم العمليات التفجيرية التي جرت بحق مصالح إعلامية أو تجارية بعد سيطرة حركة «حماس» على الحكم عام 2007، ونسبت جلّ هذه العمليات إلى جهات «جهادية» أو سلفية، كما تركزت في العام نفسه. وساهم في رصدها المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، ومركز الديموقراطية لحل النزاعات، وهي على قلتها، لكنها مؤشر على قدرة تنظيمية ما «تشاكس» سيطرة الفصيل الأكبر «حماس»:
1- تفجير المركز الثقافي الفرنسي، في 7 تشرين الأول 2014م، في مدينة غزة.
2- تفجير ساحة كنيسة دير اللاتين، في 24 شباط 2014م، في غزة.
3- قتل المتضامن الإيطالي، فيتوريو اريغوني، في 14 نيسان 2011م، بعد اختطافه في غزة.
4- تفجير مقهى إنترنت، في 9 يناير 2010م في بلدة القرارة شمال مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة.
5- تفجير مقهى إنترنت، في 8 تشرين الثاني 2009م، في غزة.
6- تفجير عبوتين الأولى بالقرب من مركز أنصار الحكومي والثانية بالقرب من دوار أبو مازن، في 3 أيلول 2009م، غربي غزة.
7- تفجير حفل زفاف، 21 تموز 2009، في مدينة خان يونس جنوبي القطاع وإصابة ما يقارب 60 شخصاً.
8- إحراق باص حكومي، في 28 أيلول 2008م، في مدينة رفح جنوبي القطاع.
9- تفجير محل كوافير، في 16 حزيران 2008م، في رفح.
10- تفجير محل بيع إسطوانات موسيقى، في 30 أيلول 2007، في مدينة غزة.
11- تفجير مقهى إنترنت، 1 حزيران 2007، في مدينة الشيخ زايد شمالي القطاع.
12- تفجير مقهى إنترنت، 1 حزيران 2007، في مخيم النصيرات وسط القطاع.
13- تفجير مقهى إنترنت، 4 أبريل 2007م، في جباليا النزلة شمالي القطاع.
14- تفجير مقهى إنترنت 31 آذار 2007م، في معسكر جباليا شمالي القطاع.
15- تفجير مكتب قناة العربية في غزة، 22 كانون الثاني 2007م، في عملية أطلق عليها اسم «الأرض البيضاء».

(الأخبار)