من باع غزة بالأمس، لن يشتري القدس اليوم، كيف وهو قبل الأمس باع القدس بثمن بخس؟ هكذا يتعامل العرب الذين عزوا تركهم الحرب على غزة مستمرة إلى «تعنّت» أهلها وإصرارهم على المقاومة، واليوم يتركون المقدسيين وحدهم، فيما لا يملكون سوى بعض الحجارة والتكبير الذي يُعلون صوتهم فيه على «ترانيم» المستوطنين المحتفلين بأعيادهم وسط حمايةٍ شرطيةٍ احتلالية.
ثمانية أيام من «الحرب» في شوارع المدينة والاعتقالات والتنكيل لم تشفع لأهلها، وعلى أنها كانت تُبث مباشرة عبر الشاشات، فلم تتحرك الأقلام كما تحركت في شؤون أخرى، بل لم تكن أصوات الاستنكار العربي تتجاوز أصابع اليد، كأن هناك من يقول للإسرائيلي «امضِ» فالقدس لم تعد القدس، وهي التي لم يبق منها، وفق تقديرات خبراء مقدسيين، سوى 13%، في حين أن قطار تهويد الديموغرافيا والجغرافيا والمقدسات يسير أسرع من قبل.
أما ذوو الشأن في الضفة المحتلة وقطاع غزة،
76.2% من اليهود رفضوا
فكرة تقسيم القدس كشرط لإقامة دولة فلسطينية


عباس يرى «الدولة» حلاً
لمعاناة القدس، وليبرمان يتّهمه بإثارة «الشغب»
فواقعون بين سياسيين مشغولين بأزمة الرواتب في «قطاع» لا يزال محاصرا، وبين من يبحث في «رام الله» عن دولة لم يبق لها عاصمة. وبين هذا وذاك، يقف الغزيّون باحثين عن ملاذ يقيهم الشتاء الذي سبق الإعمار، وأهل الضفة، خرجت مسيراتهم «متأخرة» لنصرة القدس، فوجدوا أجهزة السلطة الأمنية لهم بالمرصاد.
وليس هناك وقت وظرف أفضل من الآن كي يمرر الاحتلال ما يريد، فغزة أدّت قسطها من المواجهة، ومن الظلم تحميلها خوض أي جولة تحت عنوان القدس. والضفة لا تزال تختنق بالجدار والحواجز والتنسيق الأمني، ويصعب على الميت الشعور بالألم.
وأمس، خرج «صاحب الدولة»، ليشدّ الإزار ويرفع مجدداً لازمة «اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة على الصعيد الدولي بخصوص اقتحامات المستوطنين للأقصى»، مع إضافة تعبير «قطعان المستوطنين» الذي لن يُسمح لهم بالعبث في المسجد. فأعاد محمود عباس تأكيد أن الخلاص سيأتي عبر «التوجه إلى مجلس الأمن الدولي وتقديم المشروع الفلسطيني لإنهاء الاحتلال وفق سقف زمني محدد».
في المقابل، رأى وزير خارجية الاحتلال، أفيغدور ليبرمان، أن عباس «يحاول إشعال المنطقة»، وذلك بسبب تصريح الأخير بوجوب «منع اليهود من دخول الأقصى». واتهم ليبرمان السلطة الفلسطينية وعباس بالوقوف وراء «أعمال الشغب» الأخيرة في القدس. أما حركة «حماس»، فقالت إن دعوة «أبو مازن»، الفلسطينيين، إلى الرباط في المسجد الأقصى ما هي إلا «دعوة شكليّة ولا رصيد لها»، واستدلت على ذلك بأن أجهزة السلطة تستمر في «تكبيل يد المقاومة عن دورها في حماية القدس والمسجد الأقصى».
ويبدو أن الدولة التي تسعى السلطة إلى «خلعها» من بين «أنياب» الاحتلال عبر مجلس الأمن، تكاد تكون حلماً مستحيل التحقق، إذ تشير نتائج استطلاع للرأي، نشرته صحيفة «إسرائيل اليوم»، الى أن أغلبية اليهود في إسرائيل يرفضون إنشاء دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس، إضافة إلى رفضهم الانسحاب أو التنازل عن مناطق في غور الأردن.
ورداً على سؤال حول الموقف من «التنازلات» في الضفة المحتلة، على ضوء المتغيرات في المنطقة وانتشار «داعش» في سوريا والعراق، أكد 70% من المستطلعة آراؤهم أنه لم يطرأ تغيير على موقفهم، في حين أن 17% أكدوا أن «داعش» يدفعهم إلى التمسك أكثر برفض التنازلات. وفيما أعرب 74% من الإسرائيليين عن أنهم ضد إقامة دولة فلسطينية، فإن 76.2% رفضوا فكرة تقسيم مدينة القدس كشرط لإقامة دولة فلسطينية، مقابل 16.2% فقط يؤيدونها.
مع ذلك، يبرق بصيص أمل للمقدسيين بمعرفة أن قولهم «لا» في وجه سياسات الاحتلال كافٍ لمنع، أو تأخير، النتائج التي تسعى إليها إسرائيل قدر المستطاع. وأمس، نشرت صحيفة «معاريف» تقريراً عن تصاعد المواجهات في القدس خلال الأشهر الأخيرة، مشيرة إلى أنها سببت خسائر اقتصادية كبيرة لشبكة القطار الخفيف التي تعمل منذ عدة سنوات في المدينة، وذلك منذ استشهاد الفتى المقدسي محمد أبو خضير.
وأوضحت الصحيفة أن تقديرات الخسائر المادية تصل إلى عشرات الملايين من الشواكل «نتيجة إلقاء الزجاجات الحارقة والحجارة على القطارات»، مشيرة إلى أن المواجهات أسفرت عن تعطيل حركة القطارات من عدة مستوطنات وإليها، «وأيضاً تسبب ذلك بخلق حالة من الهلع في صفوف المستوطنين». كما ذكر التقرير أن شهري تموز وآب سجلا انخفاضاً كبيراً في أعداد ركاب القطارات في القدس بنسبة 20% عن الوضع الطبيعي.