■ هل ترشحكم للانتخابات المقبلة هو سعي لتتويج مسيرتكم السياسية والحصول على منصب رأس السلطة التنفيذية بعدما تقلدتم مناصب حكومية عدة خلال مسيرتكم السياسية؟ لا أبداً لست طامعاً بتقلد منصب الرئاسة.

الذي دفعني إلى الترشح هو ما شهدته البلاد من أحداث طوال السنوات الثلاث الماضية، فعدم التزام من حصلوا على الأغلبية بعد الانتخابات الماضية بوعودهم دفعني إلى الترشح. وعدوا ووقّعوا التزاماً بأن لا يتجاوزوا المجلس التأسيسي، لكنهم أخلفوا وانقلبوا على تعهداتهم ومضوا بالبلاد لمدة ثلاث سنوات إلى العنف، وبالتالي يجب إصلاح ما وقع إفساده.

■ دائماً ما تقولون إنكم تحملون مشروعاً حداثياً تقدمياً يقطع مع الرجعية. كيف تنوون تجسيد هذا البرنامج إجرائياً في حال فوزكم في الانتخابات بعيداً عن الشعارات الانتخابية، ولا سيما أن تونس شهدت تراجعاً على مستوى العقليات؟
الشعارات الانتخابية نتركها لمن يقولون ما لا يفعلون.
حين يتعلق الأمر بمستقبل البلاد أو
بالقضايا المصيرية التي تستوجب الاتفاق، نسعى إليه، خاصة مع الإسلاميين
أما نحن في حركة نداء تونس، فنحن قوم أفعال ولا قوم أقوال كما أردد ذلك دائماً. الحداثة تنطلق من التعليم والنشأة، لا بد من أن نعدّ أجيالاً صالحة تسعى إلى التطور واعتناق قيم الحداثة، وذلك لا يأتي إلا عبر إصلاح المناهج التعليمية والتركيز على القيم الكونية فيها. تراجع العقليات في تونس مرده المناهج السطحية التي تأخذ بظاهر الأمور، والتي تذكرنا أيضاً بالشعارات، أما بالنسبة إلينا فلن تكون المناهج إلا مناهج عملية تتضمن حماية حقوق المرأة وتضمينها في البرامج الدراسية وعصرنة التعليم، وكما يقول المثل: «من شاب على شيء شاب عليه»، ولا بد من أن تنشأ الأجيال القادمة على القطع مع التخلف والرجعية.

■ دائماً ما تقولون إنكم رجل أفعال لا أقوال، ما أول إجراء ستتخذونه في حال فوزكم؟
إرجاع هيبة الدولة على جميع المستويات، وهذا مفهوم ورثناه عن الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة، وتعلمناه منه ونقدر على القيام به على أحسن وجه وعلى كل المستويات.

■ استعدتم في ذاكرة الشعب التونسي صورة الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة، فهل هو وفاء منكم للمعلّم، أم أن منهج الزعيم في التعامل مع الإسلاميين كان ناجحاً؟
طبعاً منهج الزعيم كان ناجحاً في عصره، وهو بالنسبة إليّ معلم. تميّز بورقيبة بسياسة المراحل دون الزعماء الذين عاصروه، وأظهر التاريخ أن سياسته كانت مجدية وحققت الكثير من النجاحات من حركة الاستقلال الوطني وما توخاه من منهج ضد الاستعمار الفرنسي إلى طريقة إدارته لشؤون البلاد الداخلية والعلاقات الخارجية. أنا توخيت هذه السياسة في هذا العصر، ونجحنا والحمد لله في إزاحة من كانوا يحكمون من سدة الحكم بنفس الأسلوب، أي سياسة المراحل التي ارتأينا اعتماد الوفاق تارة والنقد والصراع السياسي تارة أخرى، وهم (الترويكا الحاكمة سابقاً) قد ارتكبوا الكثير من الأخطاء التي عجلت بسقوطهم، ومنها الانزلاق إلى العنف وانهيار هيبة الدولة.
■ في الدستور الجديد، تشمل صلاحيات رئيس الجمهورية شؤون الدفاع والخارجية، كيف ستتعاملون مع المدّ الجهادي الذي غزا تونس منذ ثلاث سنوات؟ وهل أنتم راضون عن طريقة التعامل الحالي مع الجهاديين العائدين من سوريا والعراق؟
أنا لست راضياً أبداً عن طريقة التعامل الحالي مع الجهاديين العائدين من بؤر التوتر في سوريا والعراق، بل لست راضياً عن التساهل في خروجهم من البلاد منذ البدء. كان لا بد من الحزم حينها حتى لا نصبح بلداً مصدراً للعنف. أما ما سأنوي فعله إن فزت، فكل شيء يكون في أوانه.
قلت إنني لا أقبل أن تعمّ الفوضى في أي بلد أو التدخل في شؤونه الداخلية، فما بالك إن أحدث تونسيون الفوضى وقاموا بأعمال إجرامية.

■ قلتم إنكم تتبنون المدرسة البورقيبية المعروفة بالقطيعة التامة مع الإسلام السياسي وتبني الحداثة، فلماذا شادهناكم في العديد من المرات تثنون على الروح الوفاقية لزعيم حركة النهضة الإسلامية، راشد الغنوشي؟
كان لا بد من الوفاق في لحظة معينة مع الإسلاميين، وإلا كانت البلاد انزلقت إلى ما لا يحمد عقباه. وحين يتعلق الأمر بمستقبل البلاد أو بالقضايا المصيرية التي تستوجب الاتفاق، نسعى إليه، وكما قلت سياسة المراحل تقتضي أحياناً المهادنة في لحظات تاريخية معينة، وحين يستوجب الأمر النقد أو اتخاذ مواقف حازمة، لا نتردد، وأنا كنت في الدولة، أي أعي جيداً خطورة التهور.

■ كيف تقوّمون وضع الدبلوماسية التونسية منذ «ثورة الياسمين»؟
الدبلوماسية التونسية اليوم في أسوأ حالاتها، وهذا ليس تقويمي أنا فقط، بل تقويم كل المتابعين داخل حدود الوطن أو خارجه. وهي تعاني من عدم خبرة أعلى القائمين عليها. فتونس لطالما كانت ذات مواقف مشرفة ومعتدلة. لا ينبغي أن ننسى أننا بلد صغير، ويجب أن نعي ذلك، وبالتالي لا نستطيع أن نتدخل في ما لا يعنينا مثل الصراع الروسي الأميركي أو غيره من الصراعات الكبرى. يجب على الكل أن يعلم حجمه ويتواضع ولا يزج بنفسه في صراعات لا قدرة له على مجاراتها أو مواجهتها، وعليه أن يقول كلام خيّراً أو يصمت. تونس كانت دائماً إلى جانب القضايا العادلة معتمدة على الاعتدال ومحترمة للشرعية الدولية، ولم تعد الحال كذلك في السنوات الأخيرة ووجدنا أنفسنا في مآزق كان بالإمكان تجنبها.

■ كقطع العلاقات مع سوريا مثلاً؟ هل كنتم ستقومون بقطعها لو كنتم في الحكم آنذاك؟
نعم، وما كنا لنقطع العلاقات مع سوريا، ولا لنتدخل سلباً في الشأن الليبي.

■ هل ستنوون في حال فوزكم إعادة العلاقات مع سوريا؟
أعد بأن تعود الدبلوماسية التونسية إلى ما كانت عليه قبل ثلاث سنوات من اعتدال واحترام للذات والمواقف المشرفة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الصديقة والشقيقة.

■ قيل في العديد من المناسبات من طرف العديد من المطلعين إنكم سمحتم بعبور السلاح إلى ليبيا في 2011 وإن ذلك السلاح قد تسرب إلى تونس أخيراً، وإن وزارة الداخلية قد صادرته في دهمها للإرهابيين، ما ردكم؟
نعم، دعمنا الثورة الليبية ونبهنا إلى ضرورة المحافظة على المؤسسات في ليبيا، ودعم الديموقراطية واجب، على أن لا يمس بسيادة البلدان أو مصالحها. وأتشرف بأنني كنت من الداعمين للديموقراطية في ليبيا دون المساس بسيادتها أو بأمنها. أما بخصوص تسرب السلاح من ليبيا إلى تونس ومصادرة وزارة الداخلية، فليس لي علم بذلك، ولا أظن أن ذلك صحيح.




وصف رئيس حزب «نداء تونس»، الباجي قائد السبسي، حكم الرئيس المؤقت، المنصف المرزوقي، بكونه «انقلاباً» لـ«تجاوز الفترة المحدّدة (لحكمه) بعام بعد انتخابات (المجلس الوطني التأسيسي) عام 2011». ودعا خلال مهرجان انتخابي للحزب في مدينة القيروان، إلى إعادة «الدولة»، مع الأخذ في الاعتبار خصوصيات «الشعب التونسي المسلم»، والعودة إلى مربّع النموّ الاقتصادي الذي عرفته سابقاً.
(الأناضول)