رغم المواقف السابقة لوزير خارجية الاحتلال، أفيغدور ليبرمان، عن ضرورة البحث عن دول حليفة غير الولايات المتحدة، فإن تعليماته الأخيرة بشأن ضرورة توثيق العلاقات مع أميركا لا تعني أنه لم يكن يؤمن بذلك في مراحل سابقة، ثم استجدت لديه معطيات أدت إلى تغيير اقتناعاته، بل إنه من موارد الإجماع القومي اليهودي «تعزيز العلاقات الاستراتيجية مع واشنطن»، وهو عنوان يحظى بتأييد كل التيارات الفكرية والسياسية في الوسط الإسرائيلي.
تحت هذا السقف، قد يحدث نوع من التباينات بين الأحزاب وداخلها تجاه مدى الانسجام مع السياسات الأميركية في المنطقة. كذلك قد تستجد تطورات إقليمية ودولية تجعل حاجة إسرائيل إلى بلاد «العم سام» أكثر إلحاحاً وبروزاً، كما الحال في هذه المرحلة.
وفي كل الأحوال، تبقى للتعليمات التي أوردها ليبرمان في وثيقة سرية، كشفت عنها صحيفة «يديعوت أحرونوت»، خصوصيتها وتفسيرها المتصل بالظروف التي تمر بها إسرائيل والمنطقة، وتحديداً ما شاب العلاقات من تباينات وخلافات في وجهات النظر، إضافة إلى أبعاد أخرى تتصل بطموحاته الشخصية لجهة تعزيز صورة «الزعيم العقلاني» كجزء من الصراع على ترؤس معسكر اليمين.
ومن أبرز ما تضمنته الوثيقة وضع توثيق التعاون الاستراتيجي مع الولايات المتحدة على رأس سلّم أولويات الوزارة، بل كمرساة مركزية في سياسة الأمن القومي الإسرائيلي. ولفتت «يديعوت» إلى أن الوثيقة السرية وردت تحت عنوان «الغايات العليا وغايات السياسة الخارجية لعام 2015». ويتبيّن منها أن «الخارجية» الإسرائيلية ستركز خلال العام المقبل على مجالات متعددة، أوّلها تعزيز التعاون مع الولايات المتحدة، ومواجهة نزع الشرعية عن إسرائيل وما يسمّى تنامي العداء للسامية، «والسعي إلى اتفاق سياسي وإحباط البرنامج النووي الإيراني والإسلام الراديكالي».
ومع أن ليبرمان قال في الماضي إن «أوروبا لا تفهم» ما يجري في الشرق الأوسط، فقد تضمنت الوثيقة الهدف الآتي: «ينبغي استمرار وتعزيز الحوار بين إسرائيل وأوروبا».
في السياق، لفتت الوثيقة إلى ضرورة زيادة التنسيق مع الإدارة الأميركية ضد البرنامج النووي الإيراني و«داعش» والمبادرات التي ترمي إلى عزل إسرائيل في الحلبة الدولية، وعليه جرى تعميمها على جميع سفراء إسرائيل ورؤساء الأقسام في وزارة الخارجية.
الوثيقة تحثّ أيضاً على ضرورة تعزيز البعد السياسي في الأمن القومي الإسرائيلي. وهي دعت إلى «إحباط سياسي للتهديدات الاستراتيجية، وخاصة تحوّل إيران إلى دولة نووية والتهديدات التي يمثلها الإرهاب والإسلام الراديكالي بمختلف أنواعه»، مشيرة إلى استمرار التنسيق مع الولايات المتحدة وبقية السداسية الدولية حول القضية النووية الإيرانية «بما يشمل الاستمرار في التأثير في ماهية الاتفاق الذي سيتبلور وضمان تنفيذ آليات الرقابة».
وقيل في وثيقة الخارجية: «إزاء التهديد المتزايد من لاعبين، غير دوليين، على استقرار الأنظمة في سوريا والعراق، فإن المطلوب التنسيق مع الولايات المتحدة، على أن يوضح مفهوم التهديد من الرؤية الإسرائيلية إسرائيل، واستمرار الجهود للمس بالمكانة السياسية وتعاظم قدرات حزب الله وحماس».
وتأتي وثيقة ليبرمان في وقت تأزمت فيه العلاقات بين حكومة إسرائيل، وخصوصاً رئيسها بنيامين نتنياهو، والإدارة الأميركية والرئيس باراك أوباما، وذلك على خلفية التعامل مع إيران وبرنامجها النووي. وبرزت خلافات أخرى بين الجانبين على خلفية توسيع البناء الاستيطاني في الضفة المحتلة وشرقي القدس وتزايد التنديد الأميركي بإسرائيل في هذا السياق. ووفقاً لوسائل إعلام إسرائيلية، فإن الأزمة وصلت إلى حدّ تخوف تل أبيب من أن واشنطن قد لا تستخدم حق النقض «الفيتو» لإحباط قرارات ضد الأولى في مجلس الأمن الدولي.