تونس | لم تنصف انتخابات تشرين الأول ٢٠١١ الأحزاب اليسارية والقومية التي كان لها الدور الأساسي في الحراك الاجتماعي والنقابي والسياسي الذي أطاح نظام الدساترة.
هذه الأحزاب لم تحصل في الانتخابات إلا على مقاعد قليلة لم تتجاوز ثمانية، فصنّفتها حركة «النهضة» على أنها «أحزاب الصفر فاصل».

وهي تنتمي أساساً إلى اليسار والقوميين بشقيها الناصري والبعثي، مثل «الوطنيين الديموقراطيين» و«حزب العمال الشيوعي» و«رابطة اليسار العمالي» و«حركة الديموقراطيين الاشتراكيين» جناح أحمد الخصخوصي و«حركة البعث» و«حركة الشعب».
وبعد الانتخابات التي لم تجن منها شيئاً، دخلت هذه الأحزاب في حوارات ونقاشات داخلية أفضت إلى حسم تحالفاتها استعداداً لمعركة الانتخابات البرلمانية، وذلك استناداً إلى فهم قياداتها أنه لا بدّ من تكوين جبهة تقدمية ديموقراطية في مواجهة توغّل حزب «حركة النهضة»، الذي يحظى بشعبية كبيرة في الأوساط الفقيرة، وخصوصاً في الأرياف.
وفي هذا السياق، كوّن الوطنيون الديموقراطيون حزباً جديداًَ تزعمه الشهيد شكري بلعيد، تحت اسم «الوطنيون الديموقراطيون الموحّد». وتخلّى «حزب العمال» عن «الشيوعي»، حتى لا تستغل «حركة النهضة» هذه الصفة لمهاجمته باسم الإسلام، في حين انقسمت «حركة الشعب» (ناصريون) إلى قسمين بسبب التحالف مع اليسار، فولد «التيار الشعبي» بزعامة الشهيد محمد البراهمي وولدت «الجبهة الشعبية» من خلال التركيبة الآتية: «الحزب الشعبي للحرية والتقدم» و«حزب النضال التقدمي» و«حزب العمال» و«حركة البعث» و«حزب الوطنيين الديموقراطيين الموحد» و«حزب الطليعة العربي الديموقراطي» و«رابطة اليسار العمالي» و«حركة الديموقراطيين الاشتراكيين»، التي أصبحت «حركة الديموقراطيين الاجتماعيين» مجموعة الخصخوصي، ثم جمّدت عضويتها مؤخراً، إضافة إلى «التيار الشعبي». ومن ضمن التركيبة أيضاً «القطب الديموقراطي الحداثي» و«حزب تونس الخضراء» و«الجبهة الشعبية الوحدوية». وقد انسحب الحزبان الأخيران من الجبهة لسببين، الأول، بحسب زعيمه عبد القادر الزيتوني، «أحادية الرأي» لزعيم «الجبهة» حمّة الهمامي. أما السبب الثاني، فهو التقارب مع «نداء تونس» الذي تعتبره «الجبهة الوحدوية» من بقايا النظام السابق في تشكيل جبهة الإنقاذ في صيف ٢٠١٣، بعد اغتيال الشهيد محمد البراهمي. كذلك تضم الجبهة جمعيات منها «شبكة دستورنا».
وقد ولدت الجبهة في تشرين الأول ٢٠١٢، وكان لها دور كبير في تجميع اليسار وإدارة الحركة النقابية والسياسية، التي أطاحت حكومتي «النهضة». واتهمت «الجبهة الشعبية» بالفوضى وبالوقوف وراء أحداث سليانة، المعروفة بأحداث «الرش» في تشرين الثاني ٢٠١٢، حين استعملت قوات أمن وزير داخلية «النهضة»، آنذاك، علي العريض سلاح «الرش» القادم من قطر، في مواجهة المواطنين.
وكان لـ«الجبهة الشعبية» أيضاً الدور الأساسي في بناء «جبهة الإنقاذ»، التي أطاحت حكومة «النهضة» الثانية، بعدما قدّمت لتونس ثلاثة شهداء، هم شكري بلعيد ومحمد البراهمي ومحمد بالمفتي. كذلك قدمت «الحركة الشعبية» المعتقلين من شباب الحراك الاجتماعي والنقابي، في مختلف أنحاء البلاد تقريباً. وقامت بإحياء حملة لطرد الإداريين الذين عيّنتهم حركة «النهضة» في مختلف المواقع والمناصب الإدارية.
اليوم، تدخل أحزاب «الجبهة الشعبية» الانتخابات البرلمانية في قائمات موحّدة في ٣٣ دائرة، وتعمل على أن تكون في المرتبة الثالثة، حتى تعدّل المشهد السياسي وتمنع الاستقطاب الثنائي بين حركتي «نداء تونس» و«النهضة». وهي لا تخفي أن هدفها الأساسي هو منع «حركة النهضة» من العودة إلى الحكم، والوقوف ضد الدولة الدينية والمنوال التنموي المرتهن إلى «البنك الدولي»، الذي تشترك فيه «حركة النهضة» مع «حركة نداء تونس».
ورغم النضال الطويل الذي خاضته أحزاب «الجبهة الشعبية» من يسار وقوميين، لم تتوقّف محاولة شيطنتهم . فـ«حركة النهضة» تعتبرهم فوضويين ومعادين للإسلام وملحدين. كذلك يصف أئمة المساجد زعماء «الجبهة» بأبشع النعوت.
وتحمّل «الجبهة الشعبية» مسؤولية اغتيال مناضليها إلى «حركة النهضة»، التي جيّشت المتشدّدين ضدهم، الأمر الذي انتهى باغتيالهم.
وفي الإطار ذاته، يرى أنصار النظام السابق أن أحزاب «الجبهة الشعبية» هي التي كانت وراء ما وصلت إليه البلاد، حين ساهمت في إسقاط نظام بن علي منذ اتفاقية ١٨ تشرين الأول ٢٠٠٥. كذلك يتهمها جزء واسع من الشارع التونسي بأنها لا تجيد تحديد الأولويات منذ مطلع الاستقلال، وذلك بتحالف «حزب العمال» أبرز أحزاب الجبهة مع «حركة النهضة» بدءاً من عام ٢٠٠٥، وأيضاً كانت أحزاب الجبهة وراء اعتصامي القصبة ١و٢، غداة سقوط النظام وفرض حلّ مجلس النواب وتنظيم انتخابات لمجلس تأسيسي جديد وكتابة دستور جديد، قادت النهضة إلى الحكم.