غزة | قطعة من جهنم، أو بوّابة العبور نحو الجنة، كلتاهما نتيجتان يمكن الحصول عليهما في مكان واحد، هو معبر رفح الذي «يفصل» غزة عن مصر. حُكي كثيراً عن المعاناة الفلسطينية على الجانب المصري، لكن الضوء لم يسلط على معاناة الفلسطينيين مع الفلسطينيين، وتحديداً إدارة الأجهزة التابعة للحكومة السابقة لـ«حماس».

قبل الحرب الأخيرة، كان المعبر يغلق لنحو شهر أو أربعين يوماً ثم يفتح لثلاثة أيام يخرج فيها نحو 900 شخص على أعلى تقدير من أصل خمسة آلاف دائمي الحضور على كشف المسجلين، وكانت الآلية التي تعمل بها «حماس» جيدة إلى حدّ ما، فالراغبون في السفر عليهم التسجيل في المجمع الأمني «أبو خضرة»، وسط غزة ضمن فئات محدودة.
ومن بعد الحرب، أُخرج المعبر من دائرة الاتفاق، على أن تعود إليه قوات السلطة كي تشرّع أبوابه في الاتجاهين، وحتى تاريخ ذلك غير المعلوم، حسّنت مصر ساعات العمل لسبعة أيام وعدد المسافرين اليومي إلى 400 مسافر في بعض الأحيان، لكن الترحيل الإجباري إلى المطار وسياسة التفتيش والإهانة والمنع الأمني بقيت كما هي (الأخبار ٢٢٥٥ في ٢٥ آذار).
وبالحديث عن الفئات المحدودة التي يمكنها السفر، يمكن ذكر الطلاب والمرضى وأصحاب الجوازات الأجنبية والإقامات المشرفة على الانتهاء، وليس أخيراً من يملك «تنسيقاً أمنياً» مع المخابرات المصرية بعد دفع مبلغ «محرز» يصل إلى 1500 دولار، والقديم ـ الجديد هو من يملك واسطة على الجانب الفلسطيني!
في الثقافة الفلسطينية التي تعودت حصار الخيارات دوما، لا عيب في الواسطة إن كان لا بد منها من أجل الخروج من غزة، وهنا تنشط الاتصالات والعلاقات من أجل حجز دور في المعبر، أو تقديم هذا الدور عدة أيام، أو رقم الحافلة إن إمكن، وذلك إلى حد صار كثيرون من الطلاب يرون الحجز على الجانب الفلسطيني مهمة أصعب بكثير من العبور عن الجانب المصري «الذي صار همّه تسليك العدد الأكبر وإنهاء العمل».
وترابط طوابير طويلة في «أبو خضرة» منذ الصباح الباكر من أجل الحصول على دور مبكر لحجز الدور الأهم، فيما يتابع آخرون الصفحة الرسمية لأخبار المعبر من أجل التأكد من موعد سفر كل كشف. وتفيد مصادر من «الداخلية»، لـ«الأخبار»، بأن لديهم تعليمات مشددة للتأكد من الأوراق التي يقدمها الطلبة، لكنهم يتعمدون ترك مساحات فارغة في الحافلات من أجل «الطوارئ». والطوارئ هنا يقصد بها الأسماء التي تزودهم بها الإدارة من أشخاص استطاعوا توظيف معارفهم للحصول على دور السفر كالصحافيين وبعض الطلاب وفئات أخرى.
كل هذا أثار حديثاً عن «محاباة» في التسجيل، وجرّ آخرين إلى تمني عودة حرس الرئيس لإنهاء ما سموه «المهزلة»، وهو ما دفع إدارة المعبر إلى تعميم إعلان، يوم أمس، قالت فيه إن «كل من لم يستطع التسجيل للسفر أو لديه تظلم بإمكانه التوجه بعد غد الاثنين إلى "أبو خضرة"، حيث ستكون هناك مقابلات مباشرة مع مدير الهيئة العامة للمعابر والحدود ماهر أبو صبحة، ومدير وحدة التسجيل إسماعيل أبو الجبين التاسعة صباحاً».
مصادر «الداخلية» تعود للكشف عن «آلية لتوزيع الحصص» بسبب كثرة الاعتبارات التي تقيمها الحكومة السابقة لشرائح متعددة في غزة، فمثلاً على المستوى التنظيمي هناك حاجة إلى إرضاء أطراف كثيرة من الفصائل، وعلى مستوى آخر التجار الذين يدعمون بطبيعة الحال الاقتصاد الغزي أو يمررون مصالح للحركة، فضلاً عن أبناء القيادات والتزكيات الآتية من المساجد وجهاز الأمن الداخلي، وليس أخيراً «جيش الصحافيين» ومؤسسات الإعلام.
وبين هذه المصالح من المحتمل أن تضيع حقوق كثيرة لمن يحتاج السفر، لكنه في النهاية تغادر الغالبية، وفق المصادر، فضلاً عن أن قائمة المرجعين الذين لم يسمح لهم المصريون بالعبور لأن أوراقهم غير جاهزة يظلون يحاولون السفر «لذلك لهم أولوية في إعادة التسجيل، وهذا ما يزيد ازدحام الكشوف». مع ذلك، تدافع هذه المصادر عن سبب اتباع الآلية السابقة بالقول إنه لو كان المعبر مفتوحاً 24 ساعة كما يجب لسنا مضطرين إلى التعامل بهذه الطريقة.
رغم هذا، لم يستطع مواطنون السفر، وانتهت مدة "الفيزا" الخاصة بهم، رأوا أن إدارة المعابر تتحمل مسؤولية كبيرة عن "الفوضى" التي جرت بعد الحرب، إذ لم تكن هناك كشوف تنظم السفر لمدة أسبوعين، وكان من يصل المعبر ولديه واسطة أو وجد متسعاً يستطيع الخروج، وبعد حدوث الازدحام جاء تنظيم الكشوف والتسجيل متأخراً.
ومع أن شهر تشرين الأول يجب أن يكون ختام «الازدحام» على السفر بسبب عودة أصحاب الإقامات إلى أعمالهم وبدء الطلاب دراستهم في الخارج، فإن هذه السنة على وجه الخصوص تشهد عبوراً كثيفاً للخارجين والعائدين، وخاصة أن المعبر أغلق لأيام كثيرة خلال الحرب، ثم جاء موسم الحج والأعياد.