غزة لم تنته التحقيقات المصرية الرسمية بعد لمعرفة هوية «الإرهابيين» الذين ارتكبوا مجزرة بحق الجنود المصريين في شبه جزيرة سيناء، الجار الأقرب إلى غزة، وأودت بنحو ستين جنديا بين قتيل ومصاب، حتى أُبلغت «حماس»، بصفتها الحاكم الفعلي في غزة، رسالة شديدة اللهجة مفادها أن القاهرة تشتبه رسميا بضلوع عناصر من غزة في تنفيذ الهجوم الأخير.
ونقلت مصادر أمنية مصرية لـ«الأخبار» أن المسؤولين هناك أبلغوا «حماس» نيتهم تنفيذ عدة خطوات «للقبض على المتورطين في هذه المجزرة»، مشيرة إلى أن الجيش المصري ينسق مع السلطة الفلسطينية في رام الله، والأخيرة «بادرت باستعدادها الكامل المساعدة على كشف فاعلي الجريمة».
وحالما أعلنت حالة الطوارئ في سيناء، بدأت أصابع الاتهام التي يرفعها الإعلام المصري تتجه إلى غزة مطالبة بتدفيعها «الضريبة» على «الجريمة» لأنها «دولة حماس». وسرعان ما أغلقت مصر معبر رفح البري «حتى إشعار آخر»، وهو ما سيزيد حتماً معاناة الفلسطينيين ويشدد الحصار عليهم، فيما جزء كبير منهم سيصير ضمن «عداد العالقين». مشهدٌ أعاد إلى الذاكرة ما حدث في شهر آب عام 2012 عقب قتل 16 جنديّاً مصريّاً على الحدود في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي والحملة الأمنية الكبيرة التي جرت بعد ذلك وتأثرت بها غزة مباشرة.
هذه المرة زاد على «الإجراءات العقابية» تأجيل المفاوضات غير المباشرة بين الاحتلال والمقاومة، وكان مقررا بدء جولتها الجديدة اليوم في القاهرة، وأيضاً «إلى أجل غير مسمى»، مع محاولة بعض المسؤولين الفلسطينيين، وخاصة من «فتح»، تخفيف وقع التأجيل، والقول إنه لن يتعدى شهرا، لكن ذلك لا ينفي استمرار المعاناة الفلسطينية حتى ذلك الوقت.
رئاسة السلطة أبلغت المصريين أنه لا علاقة لـ«حماس» بـ«جريمة سيناء»

وبينما كان الغزيون يتداولون الأخبار عن إغلاق المعبر وتأجيل التفاوض غير المباشر، أخافتهم أصوات انفجارات كبيرة، تبين لاحقا أنها تجارب لإطلاق صواريخ أجرتها المقاومة صوب البحر، وهو ما أشار إليه المتحدث باسم جيش الاحتلال، قائلا إنها المرة السادسة التي تجري فيها «حماس» تجربة لإطلاق صواريخ باتجاه البحر.
في المقابل، أكدت المصادر المصرية أن إغلاق المعبر «مرتبط بالوضع الأمني في سيناء»، لكن القاهرة «لن تتخلى عن ملف المفاوضات، وهي الآن مشغولة بوضعها الداخلي الذي لا يسمح لها ببحث قضايا أخرى».
مع ذلك، يثير مخاوف الغزيين ما سمعوه من الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، عن «حل حازم على الحدود» جرى الحديث عن أنه «منطقة عازلة بين رفح المصرية والفلسطينية»، وهو ما يعني قطع آخر وريد يصل القطاع بمصر، الأمر الذي ظهرت نتائجه مباشرة مع اختفاء عدد كبير من السلع في غزة، وارتفاع أسعار أخرى.
في ما يرتبط بالوضع الأمني، رجحت المصادر المصرية أن تقديرات الساعات الأربع والعشرين الأولى تشير إلى أن المنفذين «لديهم ارتباط بجبهة النصرة (القاعدة) لا تنظيم داعش، وهناك إشارة إلى أن عناصر جهادية من غزة قدمت الدعم اللوجستي والمعلوماتي لهذه العناصر».
هذا التلميح نفاه مصدر مسؤول في حركة «حماس»، وقال لـ«الأخبار» إنه يستحيل أن يكون لأي أحد من غزة علاقة بهذه المجزرة. وقدّر المصدر الذي رفض ذكر اسمه أن «القاهرة تحاول أن تخرج نفسها من الملعب الداخلي بزج غزة في كل صغيرة وكبيرة ناتجة من تقصيرات أمنية تطاول جنودها». ويضيف: «منذ اللحظة الأولى للإعلان عن المجزرة كنا نعي جيدا أنه ستتهم غزة... حماس لا تسعى بعدما جرى في الحرب الأخيرة أو في أي حال من الأحوال إلى التدخل في شؤون مصر، والتحقيقات ستثبت ذلك».
وشدد المصدر «الحمساوي» على أن حكومة غزة السابقة تسيطر كلياً على الحدود مع غزة، «ولا يمكن لأي إرهابيين الدخول أو الخروج منها»، مطالباً حكومة التوافق بأخذ دورها الأمني. في غضون ذلك، قال عضو المكتب السياسي لـ«حماس»، خليل الحية، إن «دماء المصريين عزيزة على قلب كل فلسطيني». وأكد الحية، في تصريح متلفز أمس، أنهم يستنكرون ما جرى، «ولا يمكن أن نسمح بأن تذهب لمصر إلى أي شر».
على نحو متصل، أكد مسؤول العلاقات الخارجية في «الجهاد الإسلامي»، خالد البطش، أن «المستفيد الأول والأخير من هذه المجزرة هو من تحدث في مؤتمر هرتسيليا عن ضرورة إشغال الجيش المصري في الصراعات الداخلية، كما الحال مع الجيش السوري المشغول في أزمته الداخلية»، في إشارة إلى إسرائيل.
وعزا البطش، في حديث مع «الأخبار»، تقديره إلى أن «إسرائيل تريد أن تعيش بلا تهديد حقيقي»، رافضاً الزج بالشعب الفلسطيني في هذا «الحادث المأساوي». وأضاف: «نقدم عزاءنا لعائلات الجنود المصريين وأشقائنا في مصر عموما، ويؤسفنا محاولات بعض وسائل الإعلام والمحللين السياسيين زج الشعب الفلسطيني في هذه الأحداث... تكفينا معاناتنا مع المحتل وعدوانه المستمر».
مكتب رئاسة السلطة الفلسطينية لم يكن بعيداً هو الآخر عما يجري، فقد أكدت مصادر مقربة منه لـ«الأخبار» أن تقدير رئيس السلطة، محمود عباس، لا يستبعد أن تكون «عناصر من غزة ساعدت الإرهابيين لوجستيا ومعلوماتيا»، مستدركاً: «نستبعد أي دور لحماس، لكن هناك عناصر تابعة للسلفية الجهادية، ولا يمكن لأحد إنكار وجودهم في غزة».
وربطت مصادر الرئاسة ما حدث في تفجير المركز الثقافي الفرنسي، قبيل وصول رئيس حكومة التوافق رامي الحمدالله إلى غزة، بإعادة تفعيل الخلايا الجهادية في القطاع وما جرى في سيناء، مؤكدة أننا «أخبرنا المصريين بأن حماس لا علاقة لها بالجريمة ولا مصلحة لها بذلك، وربما الفراغ في السلطة والحكم ساعد الجهاديين على مساندة أصدقائهم».