غزة | كاد المواطن الغزي جميل عليوة أن يكسر المذياع بعد سماعه تقريراً عن تجدد الخلاف على آليات إدخال المواد اللازمة لإعمار غزة، قائلاً بغضب: «هاي آخرها نصفّي بالشارع». وعليوة، صاحب الخمسين عاماً، بدا متجهماً خلال حديثه لـ«الأخبار»، وخاصة أنه لم يرَ شيئاً من «حفلة الإعمار» والمليارات التي وعدوا بها.
أكبر خوف لدى هذا المواطن وآلاف آخرين، تظاهروا أمس احتجاجاً على أن «الكرافانات» والخيم لم تحمهم «شر الشتاء»، أن تستمر معاناتهم في ظل تجاذب سياسي شهدته الأيام الأخيرة بين طرفي المصالحة ـ الانقسام في الساحة الفلسطينية (حماس وفتح).
ترافق ذلك مع تعبير أوساط محلية، أمس، عن غضبها من آلية الرقابة على إدخال مواد الإعمار التي لم تبصر النور في غزة تحت شرط «عودة السلطة»، فيما تتزاحم ملفات الإضرابات ورواتب موظفي غزة، المعلقة بنهاية كل شهر، على كاهل الخارجين من الحرب. ورأت تلك الأوساط أن آلية إدخال مواد البناء «كمن يدسّ السم في العسل»، وهي طريقة معقدة «صاغها مبعوث الأمم المتحدة لعملية السلام روبرت سيري»، ورأوا أيضاً أن الآلية التي تشمل رقابة إسرائيلية غير مباشرة توفر على الاحتلال مسؤولية حصار غزة.
بهذه النتيجة، تكون الصراعات الدائرة بين «حماس» و«فتح»، على الأداء الحكومي أو استكمال متطلبات المصالحة، قد أطفأت قنديل الإعمار وأطالت عمر الحصار المفروض على غزة، وصار كل من يحتاج «كيس إسمنت» ملزماً برفع طلب بالكمية وسبب العوز إلى الأمم المتحدة حتى تصرف له شيئاً من المخازن التي يراقبها الحراس والكاميرات.
أقوى تلميح إلى الغضب، حمله القيادي في «حماس»، محمود الزهار، الذي قال قبل أيام، إن «الشعب قد ينفجر في أي لحظة في وجه الاحتلال جراء اعتماد هذه السياسات والمماطلة في إعادة إعمار ما خلفه العدوان». كذلك سجلت «حماس» انتقادات متتالية لأداء حكومة الوفاق، احتجاجاً على «تخلي الحكومة عن دفع رواتب موظفي غزة» المحسوبين عليها، وما زاد الأزمة أن مبالغ الإعمار خُصص 2.7 مليار دولار منها (من أصل 5.4 مليارات) لخزينة السلطة، ومن الواضح أن الحركة تتطلع إلى أن تغطي هذه الأموال رواتب الموظفين.
وتشير مصادر في «حماس»، تحدثت لـ«الأخبار»، إلى أن الحركة تعاني في الوقت الراهن أزمة حقيقية نتيجة التأخر في تلبية احتياجات المواطنين، لذلك تذهب المؤشرات نحو أزمة في الأيام المقبلة، خاصة أن التشنج في المصالحة يعرقل في النتيجة ملف الإعمار. ويراود بعض الأروقة في «حماس» ضرورة اتخاذ خطوات تصعيدية كتعليق ملفات المصالحة مع «فتح»، أو العودة مجدداً إلى إغلاق البنوك في وجه موظفي السلطة (رام الله) الموجودين في غزة «احتجاجاً على سياسة التمييز في صرف الرواتب».
وفعلياً، بدأت بعض الخطوات التصعيدية تشق طريقها على مستوى المؤسسات الحكومية في غزة التي شهدت إضراباً جزئياً، يوم أمس، وتقليصاً لساعات العمل، ومع أن هناك اتفاقاً على أن يعاود وفدا «فتح» و«حماس» الالتقاء في غزة خلال الأسبوع، فإن مدير مؤسسة «بال ثينك» للدراسات الاستراتيجية، عمر شعبان، يرى أن القوى الفلسطينية انشغلت بالقضايا السياسية المباشرة دون أن تعطي مستوى الاهتمام نفسه بالقضايا ذات البعد الشعبي، «وهي لا تنفصل عن الأمور السياسية أصلاً».
وطالب شعبان، في حديثه لـ«الأخبار»، المسؤولين بضرورة الالتفات إلى «الخطوات الدولية المتخذة بشأن إعادة إعمار غزة، والآليات التي اعتمدتها الأمم المتحدة»، مؤكداً أن من شأن تلك الآليات إعفاء إسرائيل من تبعات كثيرة، مشيراً إلى أن «الخطة التي أعدها سيري تستبدل الحصار الإسرائيلي».
من جهة أخرى، رأى أحد كبار المستشارين الاقتصاديين سابقاً في السلطة، محمد السمهوري، أن حل مشكلة 40 ألف موظف في الخدمة المدنية «عيّنتهم حماس خلال حكمها على غزة، وتطبيق خطة السلطة لإعادة الإعمار، جميعها مسائل في منتهى التعقيد ومعالجتها تمثل تهديداً للمصالحة». وتخوف السمهوري في إحدى مقالاته من أن شروط إعادة الإعمار وإصرار حكومة الوفاق الوطني على السيطرة الفعلية على غزة «تجعل إعادة الإعمار تتوقّف قبل أن تبدأ».