صنعاء | ما زال الانسداد السياسي هو العنوان الأبرز في المشهد السياسي اليمني وهو ما يحكم العلاقة بين مختلف المكونات السياسية في البلاد. الفشل في تأليف الحكومة الجديدة، بعد مضي أكثر من شهر على توقيع اتفاق «السلم والشراكة الوطنية»، الذي نصّ على تأليف حكومة جديدة بحلول أسبوع، هو الدليل الأوضح على مدى قتامة الصورة في البلاد، ويكشف حجم الاختلاف بين كل الأطراف السياسية وغياب أي محفز يجعلها تعمل لإنجاز تأليف الحكومة في بلد يقع على مشارف الانهيار الأمني والسياسي والاقتصادي.

وقد يدفع تأليف الحكومة الجديدة بالامور نحو الانفراج، ويعيد ولو جزءاً من حضور الدولة ووجودها الأمني والعسكري الذي يمكن القول إنه انهار كلياً منذ سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، ثم تمددهم خارجها باتجاه الغرب نحو محافظات حجة والحديدة وباب المندب، وجنوباً باتجاه محافظات ذمار وإب والبيضاء، إضافة إلى المواجهات بين الحوثيين وتنظيم «القاعدة» المسنودة من القبائل في رداع في البيضاء. آخر تلك المواجهات هي سيطرة الحوثيين، أمس، على معقل لـ«القاعدة» في منطقة المناسح في محافظة البيضاء وانسحاب مقاتلي التنظيم إلى منطقة بقلة على بعد 3 كلم، في وقتٍ وردت أنباء عن «غطاء حكومي» لدخول الحوثيين، من قبل الجيش والحرس الجمهوري.
أولى الخطوات العملية نحو تأليف الحكومة تمثلت في توزيع الحصص

أولى الخطوات العملية نحو تأليف الحكومة، أعلنها رئيس الحكومة المكلف، خالد بحاح، عندما وزّع جدولا يمثل حصص الأحزاب والمكوّنات السياسية المختلفة، حيث جرى تقسيم الحصص إلى خمس مجموعات: الأولى تضم الوزارات السيادية الأربع (الدفاع ـ الداخلية ـ الخارجية ـ المالية)، الثانية تسع وزارات من نصيب تكتل «اللقاء المشترك»، ومثلها لحزب «المؤتمر الشعبي العام»، أما الحوثيون و«الحراك الجنوبي» فيتوليان 12 وزارة مناصفة (6 وزارات لكل منهما).
وجاءت خطوة بحاح بعد يوم من اتهام زعيم جماعة «أنصار الله»، عبد الملك الحوثي، لبعض الجهات الداخلية بالتواطؤ مع الخارج وعرقلة تأليف الحكومة. بحاح أرجع سبب تأخير تأليف الحكومة للخلافات بين القوى السياسية، لافتاً إلى أن المشاورات تسير بخطى متسارعة لتأليفها، وباتت الآن في مرحلة تسمية القوى لمرشيحها ورفع أسمائهم إلى رئيس الجمهورية، عبد ربه منصور هادي، وإليه، بعدما جرى الاتفاق على توزيع الحقائب.
وقال إن كل الأحزاب السياسية اتفقت على النسب التي أعلنها، لكن رد المتحدث باسم تكتل «اللقاء المشترك»، محمد صالح قباطي، جاء سريعاً، معلناً رفض التكتل لتوزيع الحقائب الوزارية الذي عده مقترحاً كصيغة أولية من بعض مستشاري الرئيس، قائلاً إن «ممثلي اللقاء المشترك لم يحضروا اجتماع اقتراح هذه الصيغة». وأوضح قباطي أن الصيغة لا تزال محل نقاش، وأن «اللقاء» لم يوافق عليها لكونها «لم تستند إلى أي مرجعية سوى مرجعية الهيمنة لطرف سياسي في الحكومة وإقصاء بعض المكونات الأخرى».
وأكد قباطي أن التكتل «متمسك بمعيارين طرحهما في رسالة وجهها للرئيس هادي الشهر الماضي، وينصّان على أن يستند تأليف الحكومة إلى التمثيل المتساوي لجميع الأحزاب الموقعة على اتفاق السلم والشراكة، والمعيار الآخر هو نسب تمثيل مختلف المكونات في مؤتمر «الحوار الوطني»، ملوّحاً بورقة مقاطعة أحزاب «اللقاء المشترك» للمشاركة في الحكومة والتنازل عن حصتها فيها.
من جهته، عبر حزب «المؤتمر الشعبي العام»، الذي يرأسه الرئيس السابق علي عبدالله صالح، عن «قلقة من تصاعد حالات العنف والصراع بين الحوثيين والاصلاحيين»، وذلك على الرغم من الأنباء عن مشاركة عناصر الحزب إلى جانب الحوثيين في معارك إب ورداع وغيرها من المناطق. واتهم الحزب، الذي ينتمي إليه الرئيس عبد ربه منصور هادي، أحزاب «اللقاء المشترك» بوقوفها وراء وضع العراقيل في طريق تأليف الحكومة. وانتقد موقف التكتل من إعلان رئيس الحكومة توزيع الحقائب الحكومة على المكونات السياسية، وخصوصاً أن المكونات الأخرى كافة، وفي مقدمتها «المؤتمر الشعبي العام» وحلفاؤه، قد توافقت على توزيع الحقائب الوزارية ضمن آلية اتفقت عليها المكونات الموقعة على اتفاق «السلم والشراكة الوطنية». ورأى الحزب أن موقف «اللقاء المشترك» يُعدّ محاولة مكشوفة للتنصل من التزاماتها الواردة في «المبادرة الخليجية»، من دون التفات لما يشهده الوطن من انهيار وتردّي الأوضاع في مختلف الجوانب.
وفي استجابةٍ يراها البعض متأخرة، وجه الرئيس عبد ربه منصور هادي، أمس، دعوة لجميع الأطراف السياسية اليمنية إلى العمل بروح الفريق الواحد وتحمل المسؤولية كلٍّ من موقعه للإسهام بسرعة تشكيل الحكومة الجديدة عبر العمل مع رئيس الوزراء المكلّف خالد بحاح لسرعة تأليفها وفقاً للآليات المتفق عليها في اتفاق «السلم والشراكة» ومسودة الشروط التي وضعتها الهيئة الاستشارية الرئاسية. وفي جانبٍ آخر من خطابه، وجه هادي انتقاداً لاذعاً للحوثيين، قائلاً إن القوات المسلحة والأمن «هي المعنية بمحاربة الإرهاب والتصدي له ومتابعته في أي مكان وزمان لتطهير البلاد من شروره التي طاولت معيشة المواطن وأمنه واستقراره»، وذلك في إشارةٍ إلى مواجهة الحوثيين تنظيم «القاعدة» في رداع.