تونس | لن ينسى التونسيون يوم ٢٦ تشرين الأول ٢٠١٤، ولن ينسوا أيضاً رجلاً كان وراء سقوط «النهضة» اسمه الباجي قائد السبسي. ففي لحظة عاصفة من تاريخ تونس، ٢٧ شباط ٢٠١١، كانت الدولة فيها تواجه مخاطر الفوضى، أعلن الرئيس المؤقت آنذاك، فؤاد المبزع، تعيين السبسي (١٩٢٦) رئيساً للحكومة خلفاً لآخر رئيس وزراء لبن علي، محمد الغنوشي، الذي أطاحه اعتصام القصبة الثاني.
إلى حدود ذلك الوقت، كان الباجي، سليل أرستقراطية تونس العاصمة، اسماً مجهولاً لمعظم الشبان التونسيين، أما بالنسبة إلى الحركة الديموقراطية والنقابية والأحزاب السياسية، فقد كان «سي الباجي» وزيراً بارزاً في عهد الزعيم بورقيبة واسماً يحظى بالتقدير في الحركة الديموقراطية. وفي وقت قياسي نجح في فك الحصار الذي ضربه الشبان الغاضبون على قصر الحكومة في القصبة، كما نجح في فتح حوار مع كل الأحزاب السياسية، وأعلن أن أولويته المطلقة هي المحافظة على الدولة، وتنظيم انتخابات شفافة ونزيهة، وتسليم الحكم لمن سيختاره الشعب مهما كانت هويته، الأمر الذي منحه مصداقية استثمرها في ما بعد عندما قرر العودة إلى الحياة السياسية بعد انتصار «حركة النهضة» وحلفائها.
غادر الباجي قصر الحكومة في القصبة في أواخر كانون الأول ٢٠١١ وسط إشادة الحكام الجدد، الذين سرعان ما انقلبوا عليه، بعدما أسّس حزبه الجديد «نداء تونس» في حزيران ٢٠١٢ بعد أشهر من إطلاق مبادرته لتجميع الحركة الديموقراطية في ٢٦ كانون الثاني ٢٠١٢.وفي وقت قياسي، وبشخصيته الكاريزماتية التي ربما تذكّر بعض التونسيين بالزعيم الحبيب بورقيبة، نجح الباجي، خريج «جامعة السوربون» الفرنسية والمحامي منذ ١٩٥٢، والذي التحق بأول ديوان لرئيس حكومة تونس الحبيب بورقيبة بعد الاستقلال الداخلي في ١٩٥٥ حتى قبل إعلان الجمهورية، في أن يجعل من حزبه الحزب الأول في كل استطلاعات الرأي منذ أكثر من عام، ويملك «البجبوج» اليوم، كما يسميه أنصاره، كل صفات الزعماء الكبار برغم شيخوخته: شرعية في النضال من أجل الديموقراطية، مؤسّس أول منبر إعلامي مستقل، وهي مجلة «ديموقراطية» الناطقة بالفرنسية، مسيرة حافلة في أهم حقائب الدولة، وصولاً إلى رئاسة أول برلمان بعد ما عرف بـ«التغيير» في ١٩٨٧ لينسحب بعدها تماماً من الحياة السياسية التي لم يعد إليها إلا في أواخر شهر شباط ٢٠١١.