دمشق | أضفت الحرب آثاراً عميقة على حياة السوريين، ليس فقط على أرواحهم وأمنهم، بل في شؤونهم القانونية أيضاً، التي تصبح أحياناً رهينة لفساد بعض المفاصل في الدولة والأوساط المتنفّذة. يمكن المال أن يتجاوز القوانين، فيبعد العقاب عن أحد المجرمين، أو يساعد على فرار أخطر المطلوبين للدولة.
يروي شاب من سبينة، جنوبي دمشق، قصة أحد أوائل المسلّحين في تلك المنطقة، يدعى تامر النميري: «هذا المسلّح كان من أوائل من ارتكب الجرائم في تلك المنطقة لدوافع طائفية، بالرغم من ذلك، تمكّن من الفرار من المنطقة إلى الأردن ماراً عبر مسافات شاسعة تسيطر عليها الدولة. كل هذا جرى بسهولة، مقابل مبالغ طائلة من النقود تدفع لبعض ضعاف النفوس».
وتشمل حالات الفساد المجال الإداري والقانوني بنحو واسع، وبالأخص في القضايا المرتبطة بملابسات الأزمة، ولكل قضية سعر خاص بها. أبسط القضايا تلك المتعلقة بالأوراق الرسمية والثبوتية، وهي بحسب محامٍ من دمشق، قضايا «إصدار جوازات السفر وموافقات السفر لأشخاص غير موجودين، إمّا مطلوبين أو خرجوا من البلاد بطرق غير شرعية، بالإضافة إلى قضايا إخلاء سبيل الموقوفين في بعض القضايا الجنائية والجُنح...». كل من هذه القضايا يمكن حلّها بمبالغ تراوح بين 50 إلى 100 ألف ليرة سورية (300 إلى 600 دولار) تُدفَع لموظفين «صغار»، يقومون بدورهم بالتنسيق «مع من هم أكبر منهم» وإيصال حصصهم. ليست المشكلة فقط في حجم هذه المبالغ التي تعادل أكثر من مُرتب موظف سوري لثلاثة أشهر، بل أيضاً في أن «عدد القضايا من هذا النوع كبير جدّاً. فمعظم الشباب السوري، من الذكور خصوصاً، واجه أو يواجه هذا النوع من القضايا»، لدرجة أن البعض «يرى في وجود قنوات الفساد التي تحل هذا النوع من القضايا رحمةً للناس أكثر من كونه عبئاً».
ويظهر الفساد أيضاً على مستوى المعاملات القانونية البسيطة. يروي طالب جامعي قصته مع شعبة التجنيد الإلزامي، التي تتولّى عادة تأجيل الخدمة الإلزامية للطلبة كل عام بشرط أن يقدموا وثيقة تثبت دوامهم في الجامعة: «كانت المعاملة في السابق تستغرق نصف ساعة، هذا العام ظللت أقف في طابور الطلاب أمام شعبة التجنيد كل يوم لمدة أسبوع، إلى أن تعرفت إلى أحد الحراس الذي يقوم بإدخال المعاملات مقابل رشوة قيمتها نحو 10 آلاف ليرة سورية».
أما القضايا الأكثر تعقيداً وتكلفة، فهي تلك المتصلة بملفات الموقوفين والمطلوبين. يروي والد شاب موقوف في فرع أمني منذ نحو نصف عام لـ«الأخبار» أنّ «حادثة التوقيف كان سببها أن السيارة التي كان يقلها ابني مع مجموعة من أصحابه تجاوزت أحد الحواجز العسكرية دون أن تتوقف. ومن يومها جرى توقيفهم، ولم يخضعوا لمحاكمة ولم تتبين عقوبة مثل هذا النوع من الأخطاء، لكنني في المقابل تلقيت العديد من العروض من سماسرة على اتصال مع الفرع الأمني لإخراج كل واحد من الشباب مقابل مبلغ 300 ألف ليرة سورية (نحو 1700 دولار)»، مثل هذا «السعر» المتواضع ليس لكل القضايا، فهو بحسب السماسرة «كرمى لكون الشبان الموقوفين أبرياء من الشبهات المفترضة فيهم». لكن الأهالي تجنّبوا التورط بهذه الصفقة خوفاً من أن تتحول إلى شبهة حقيقية على الشبان في حال شف الأمر.
تستمر عروض الفساد حتى في القضايا الأكبر، إذ يمكن إعداد سجلّات وأوراق ثبوتية لأشخاص مطلوبين مقابل مبالغ كبيرة، يروي أحد المطّلعين: «يقوم وسطاء عن الأشخاص المطلوبين بتقديم مجموعة من البيانات إلى السماسرة للحصول على جواز سفر أو إذن سفر أو كف بحث، ويحصلون عليها بسهولة خلال وقت قصير مقابل مبالغ ضخمة». وغالباً ما يلجأ لهذا الخيار المطلوبون في المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة لتسهيل سفرهم إلى خارج البلاد. يقول شاب من ريف دير الزور إن مسلّحاً من قريته «تمكّن من استصدار جواز سفر من العاصمة وتصغير عمره بضع سنوات من طريق وسطاء قبل فراره إلى تركيا».