القاهرة | كحالها قبل «ثورة يناير» تسعى الأحزاب المدنية المعارضة في مصر لمهادنة السلطة أكثر من سعيها للمنافسة للسياسية. من حالة التدجين التي عرفتها هذه الأحزاب تاريخياً، حتى حالة التشرذم والتفكك التي فرضتها على نفسها بعد إسقاط نظام حسني مبارك، رحلةٌ طويلة مليئة بصراعات ومساومات وصفقات تصل أحياناً إلى ساحات القضاء.في مصر، لم يكن درب تأسيس الأحزاب السياسية مفروشاً بالورود، بل بلغت الصعوبة حد المنع والتقييد. تفننت أنظمة الحكم على مدار عقودٍ، في تحجيم المبادرات الحزبية من خلال لجنة بيروقراطية سمّاها نظام مبارك «لجنة شؤون الأحزاب» ليصل عدد الأحزاب قبل عام 2011 إلى 24 حزباً، لا يتجاوز معظمها حدود المقرّ والجريدة المتحدثة بلسان حال الحزب.
ثم جاءت «ثورة يناير» لتكسر الحائط الخُرساني الذي فُرض على الحياة الحزبية في مصر، فأُشهر ما يقترب من 94 حزباً سياسياً، معظمُها ذو أيديولوجيات إسلامية أو يسارية أو قومية، في وقت قلّ فيه عدد الأحزاب الليبرالية إلى حدٍّ ما، غير أن مجمل تلك الأحزاب لا تزال أسيرة الظروف السياسية غير المؤاتية والثقافة الاجتماعية غير المؤهلة لقبول التعددية.
وبدت حالة التشرذم في أوجها مع فشل الأحزاب المدنية في تشكيل تحالفات انتخابية تحاول من خلالها إيجاد موطئ قدم داخل البرلمان المقبل، فيما لا تزال الأحزاب الإسلامية تمثل رقماً حاسماً في المعادلة الانتخابية رغم الحصار السياسي والملاحقات القضائية التي جرت بعد عزل الرئيس محمد مرسي.
وبرغم وضعية التشرذم السياسي التي تعرّضت لها الأحزاب في مصر، لا تزال مساعي «لمّ شمل» متواصلة، أملاً في مواجهة خطرين أحلاهما مرّ، هما: فلول نظام مبارك ورموز التيارات الإسلامية، غير أن مساعي التوحيد ما زالت عصيّة على إنشاء جبهة مدنية موحّدة قادرة على المنافسة.
وتستعد الأحزاب المدنية لخوض الانتخابات النيابية المقبلة، بتحالفات ثلاثة تنتمي إلى معسكر القوى غير الإسلامية، حيث أعلن عدد من الأحزاب ـ ينتمي قادتها للنظام السياسي السابق ـ إنشاء تحالف باسم «الجبهة المصرية»، كما يقود حزب «الوفد» الليبرالي تحالفاً يحمل اسمه، يضمّ بعض الأحزاب الصغيرة، ويتزعّم حزب «الدستور» تحالف «التيار الديموقراطي»، مع بعض الأحزاب التي تنتمي إلى تيار «اليسار الديموقراطي».
وفي الوقت الذي عجز فيه تحالف «الأمة المصرية» الذي سعى إلى تأسيسه السياسي المخضرم عمرو موسى عن الاستمرار، بسبب ما سماه «المناورات والحسابات الانتخابية الضيقة للأحزب السياسية»، قرر حزب «المصريين الأحرار» الذي أسسه الملياردير المصري نجيب ساويرس خوض الانتخابات البرلمانية منفرداً، نظراً لوفرة إمكاناته المادية التي تؤهله للمنافسة القوية على مستوى الجمهورية من دون سند أو غطاء انتخابي.
وحول تأثير فشل التحالفات الحزبية المدنية على نصيبها في البرلمان المقبل، قال خبير شؤون الأحزاب ونائب رئيس مركز «الأهرام» للدراسات السياسية والاستراتيجية، عمرو هاشم ربيع، إن الأحزاب التي تفشل في إنشاء تحالفات قادرة على المنافسة، من الصعب عليها إقناع الناخبين باختيارها في الانتخابات النيابية. وعزا ربيع أسباب هذا الإخفاق إلى هشاشة القوى المدنية في مصر وعدم نفاذها وتواصلها مع قواعدها الشعبية، ما يضاعف من الصراعات الانتخابية البراغماتية، إلى جانب غموض قانوني الانتخاب وتقسيم الدوائر.
واستبعد ربيع أن ينعكس تفكك كتلة الأحزاب المدنية بالإيجاب على موقف القوى الإسلامية في الانتخابات النيابية المقبلة، وقال «العام الذي قضته البلاد أثناء حكم جماعة الإخوان المسلمين سيمنح القوى المدنية قبلة الحياة حتى وإن كانت لا تستحققها».
وتوقع سيطرة فلول النظام السابق على البرلمان المقبل، مرجحاً أن يتشكّل «برلمان 30 يونيو» من 50 بالمئة من الفلول و25 بالمئة من الإسلاميين بمختلف فصائلهم و25 بالمئة من الأحزاب المدنية. ومهما كانت النتائج التي ستؤول إليها ترتيبات اللحظات الأخيرة بين الأحزاب المشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة في مصر، فسيواجه الناخبون الخيارات المطروحة بمنطق «الأمر الواقع» الذي فرضته الأحداث السياسية المضطربة وانحيازات «الترسانة» الإعلامية الموالية للسلطة العسكرية في مصر.