مرة أخرى يتجدد الحديث عن الانتخابات المبكرة في إسرائيل، لكن هذه المرة على لسان مسؤول سياسي رفيع المستوى، وهو حديث تجاوز عبارات الترجيح والتقدير إلى التأكيد أن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، حسم أمره وقرر التوجه إلى انتخابات في غضون 2015.
القدر المتيقن أن طبيعة وحجم التناقضات السياسية الداخلية والأخيرة صارا يمثلان أرضية ملائمة للحديث عن انتخابات مبكرة، إضافة إلى أن تفاقم الأزمات وغياب الحلول الوسط قد يدفعان نحو انتخابات يريدها بعض الأطراف ويخشاها آخرون.
مع ذلك، فإن تأكيد المسؤول الإسرائيلي أن نتنياهو حسم أمره لخيار «مع» ينطوي على عدد من المؤشرات والأبعاد. وبالنسبة إلى إمكانية إجراء الانتخابات في 2015، فإنها احتمال قائم وفعلي أكان ذلك بالاستناد إلى ما أورده المسؤول الإسرائيلي، أو غيره. وحتى نهاية العام المقبل، تكون الحكومة الحالية قد تجاوزت سنتين ونصف سنة من أصل أربع هي المدة المحددة في القانون للكنيست، مع الإشارة إلى أن غالبية الانتخابات في تاريخ إسرائيل كانت مبكرة.
المسؤول نفسه استدرك في ما عدّه أساسا لقرار نتنياهو بالقول إن الأخير «لن يستطيع تمرير ميزانية 2015، ويرى أن إقامة ائتلاف بديل ليس قرارا صائبا».

وبالنسبة إلى صعوبة تمرير ميزانية 2015، وفق تركيبة الحكومة التي تملك غالبية في الكنيست، فإن الانتخابات المبكرة وفق هذه الاعتبارات ليست خيارا لنتنياهو، بل صارت واقعا مفروضا عليه، وخاصة أن القانون يفرض إجراء انتخابات مبكرة إذا لم توافق الحكومة على الميزانية حتى 31 آذار المقبل.
لجهة الحكومة البديلة، فهي خيار قائم نظريا لأن تفكك أي حكومة بما يؤدي إلى تقديم موعد الانتخابات يمكن الالتفاف عليه عبر تأليف حكومة بديلة. أو على الأقل توفير شبكة أمان برلمانية عبر دعم أحزاب في المعارضة لتوجه رئيس الحكومة من دون الانضمام إليها، بما يؤدي إلى منع إسقاطها على أساس القضية المطروحة. وفي هذه الحالة، المقصود ميزانية العام المقبل.
برغم ذلك، فإن هذا الخيار ليس مرتبطا بإرادة نتنياهو، بل بموقف الأحزاب البديلة المفترضة، وهي في هذه الحالة إما حزب «العمل»، أو الاحزاب الحريدية. أما الأول فمن الصعب أن يوافق على الانضمام إلى حكومة نتنياهو، وخاصة أنه يقدم نفسه على أنه البديل عن «الليكود»، ويدعو إلى إسقاط هذه الحكومة، أو على الأقل تغيير توجهاتها في التسوية. والفكرة الأخيرة يستبعدها رئيس وزراء العدو في هذه المرحلة، التي يخوض فيها معركة ضروسا مع معسكر اليمين المتطرف.
في المقابل، لدى الأحزاب الحريدية الكثير من العوامل التي تجعل تقدير موقفها النهائي غامضا، وحتى الآن فإن توجهاتها وموقفها سلبيان جدا من نتنياهو، بعدما أقصاها من الحكومة، وبعد تمرير قانون التجنيد عليها للمرة الأولى منذ إقامة إسرائيل.
وبالعودة إلى عامل الميزانية الذي أورده المسؤول، فإن هذا قد يكون جزءا من أوراق الضغط التي يستخدمها بهدف تمريرها في الكنيست إن أمكن. وخاصة أن هناك متضررين من إجراء مثل هذه الانتخابات، وأولهم حزب وزير المالية، يائير لابيد، فيما يرجح حتى الآن أن يختفي حزب «الحركة»، الذي تترأسه تسيبي ليفني، عن الخريطة السياسية، لكن أكبر المستفيدين، وفق آخر استطلاع، هو حزب «البيت اليهودي»، الذي يحاول نتنياهو منافسته عبر إظهار المزيد من المواقف اليمينية المتشددة.
في كل الأحوال، تبقى الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات، وفي حال تعثر الموافقة على الميزانية تصبح الانتخابات المبكرة أمراً حتمياً في إسرائيل. لكن ينبغي تأكيد حقيقة أنه من غير المتوقع إحداث تغيير جذري في المدى المنظور على مستوى الخلافات السياسية الحادة، سواء أحدثت الانتخابات المبكرة أم لا.
وعموما يفرض الواقع السياسي الداخلي على نتنياهو الاستعداد لإمكانية التدحرج نحو انتخابات مبكرة، وهو ما يفسر مبادرته لإجراء انتخابات تمهيدية لاختيار رئيس الحزب في غضون ثلاثة أشهر، بناء على تفاهم بين معسكر نتنياهو، ومعسكر رئيس مركز «الليكود» داني دانون.
ولجهة تفسير المسؤول الإسرائيلي قرار نتنياهو البناء الاستيطاني شرقي القدس خلال الأسبوع الماضي في إطار استعداده للانتخابات الجديدة، ينبغي القول إن هذا الموقف وغيره من الخطوات اليمينية، يعبران من جهة عن توجه رئيس الوزراء الأيديولوجي والسياسي الفعلي، ويندرجان أيضا ضمن استراتيجيته لمواجهة اليمين المتطرف الذي ينافسه بالمزيدات السياسية.
في الإطار الأخير، تبرز حقيقة أن الصراع الانتخابي في إسرائيل هو في جوهره صراع داخل معسكر اليمين، الذي يحافظ على أغلبية راجحة في الكنيست، وحول هوية رئيس الحكومة اليميني، وقوته داخل هذا المعسكر. وخاصة أنه لم يتبلور حتى اللحظة أي بديل جدي عن اليمين بشأن قيادة إسرائيل.