دمشق | العديد من حرفيي سوريا خسروا عملهم بفعل الحرب والصراعات الدائرة في مناطق عملهم، واضطر قسم كبير منهم إلى ترك آلاته ومعداته البسيطة، فيما اختار بعض آخر العودة إلى مراكز المدن وقرر آخرون الهجرة خارج البلاد و«أخذ سرّ مهنته» إلى دول مجاورة لطالما اهتمت بالحرفة السورية وحاولت استقطابها.
ويوضح رئيس جمعية التحف الشرقية في دمشق، فؤاد عربش، أنّ أغلب الصناعات اليدوية كانت خارج دمشق في الأرياف أو في مناطق العشوائيات، وهذه المناطق هي التي شهدت اشتباكات وصراعات مسلحة. ويتابع أنّ العديد من الحرفيين سُرقت آلاتهم أو نُهبت ورشاتهم. ولأن غالبية الحرفيين وضعهم المادي بسيط (فهم عادة يضعون رأس مالهم في مكان عملهم)، كان من الصعب عليهم معاودة تأسيس ورش جديدة، فجاء «الحل» بالعمل لدى الغير أو تشارك عدة حرفيين في ورشة واحدة داخل المدن، ومن سنحت له ظروفه سافر وحمل معه مصلحته.
ويضيف عربش أنّه «من المعروف أنّ الحرفي السوري مرغوب في كثير من الدول المجاورة كمصر وتركيا، وتاريخياً سبق أن استقدمت الحكومة العثمانية الحرفيين السوريين إلى أراضيها في الآستانة ليعملوا فيها». ويرى أنّ الحرفي، رغم اهتمام هذه الدول بصنعته، ظلم وجرى التعامل معه بطريقة غير مهنية، إذ طلب منه عمل كبير في مقابل أجر بسيط.
ويشير عربش إلى أنّ بعض الحرفيين ممن مكّنتهم ظروفهم المادية أو علاقاتهم من تأسيس عمل خاص بهم في الخارج، «لم تسر أمورهم بالشكل المطلوب بسبب ارتفاع تكلفة المواد الأولية إلى درجة أن بعضهم يصنّع منتجاته في سوريا ويشحنها ليتمكن من المنافسة».
هذه الخطوة قام بها الحرفي عمر، المتخصص في مجال الحفر على الخشب، إذ أسّس عملاً خاصاً به في الأردن بعدما تأزمت الأوضاع في سوريا. وشجعه على ذلك امتلاكه عدداً من الزبائن العرب والأردنين ممن كانوا يزورون دمشق للتسوق والتعاقد مع الحرفيين.
الزبائن العرب
يعرفون كيف يسوّقون المنتج السوري


وبالفعل اتفق مع عدد من الزبائن الأردنيين لتنفيذ مشروع في عمان وسارت الأمور بداية على نحو مقبول. و«لإفادة أبناء وطني والحفاظ على الحرفة»، استقدم عدداً من عماله من سوريا، ولكن الحال تغيرت بعد انتهاء المشروع. وهو اليوم مضطر إلى البقاء في الأردن لتجنب خسارة التكاليف التي دفعها من استئجار محل ومواد أولية.
ويوضح عمر أنّه رغم توسعه «لكنه أبقى على عمله الخاص في دمشق - التي استعاد العمل فيها شيئاً من عافيته مؤخراً بعدما قل عدد الحرفيين، وبالتالي كثر الطلب على الورشات المتبقية». ويبيّن أنه رغم الغلاء في دمشق، تبقى الأسعار فيها أقل من الأردن، لذلك اعتمد أسلوب التصنيع في دمشق ثم الشحن نحو عمان.
ورغم أهمية الموزاييك الدمشقي وصناعة الخشب والزجاج وما كانت تدرّه على أصحابها من أموال، الحال تغيّرت اليوم، وخاصة مع من أسّس عمله في الخارج. ويؤكد الحرفي خالد أنّ «قيمة الحرفة السورية في أرضها»، والزبائن العرب المتخصصون بشراء المنتج السوري يعرفون كيف يسوّقون هذا المنتج على عكس الحرفي المغترب.
ويذكر خالد أنّه بعد الأحداث، وبحكم علاقاته القديمة في مصر، قرر تأسيس عمل له فيها من دون أن يغلق عمله الأساسي في سوريا، لكن مشروعه تعثر «لأن المصريين معتادون حرفة بلادهم أو ميالون إلى الصناعات المعاصرة».
ويوضح خالد أنه عاد إلى سوريا وأغلق عمله في مصر متحمّلاً كافة الظروف الصعبة في البلد، رغم أنّه «يترحم على الأيام الماضية»، إذ كان عمله «لا يعرف التوقف على مدار العام، وكثيراً ما اشترك في معارض ومهرجانات في الداخل والخارج».
وفي الوقت الذي تمكن فيه خالد من العودة من مصر، بقي الكثيرون في الخارج لا يستطيعون العودة بعدما خسروا كل شيء في بلدهم، واقتنعوا بالعمل كأجراء بأجور زهيدة، آخذين معهم حرفهم وخبرتهم التي طالما اعتبرت سرّاً من أسرار السياحة والتجارة في سوريا.