غزة | من الصعب التقدير أن فلسطين باتت على مشارف انتفاضة ثالثة بمفهومها الشعبي أو المسلح قياساً بطبيعة وحجم «العمليات الفردية» التي جاءت رداً على اعتداءات الاحتلال في المسجد الأقصى. فالفصائل الوطنية والإسلامية، رغم مباركتها عمليتي دهس وإطلاق نار في القدس وتبنيها الأوّلي لمنفذي العمليات، لم تقل إنها أعطت ضوءاً أخضر لعناصرها ومؤيديها لإشعال جذوة الاشتباك في القدس أو الضفة، وهو ما يعزوه مراقبون إلى أنه نتيجة للأزمة التي تعيشها كل من حركتي «حماس» و«فتح» وضيق خياراتهما السياسية.

أمر آخر لا يمكن القفز عنه في تفسير تراجع الفصائل عن المواجهة في الضفة، على افتراض أن غزة لا يمكن أن تقدم أكثر مما جرى في الحرب، وهو حالة التوافق بين «فتح» و«حماس» التي تقضي ضمنياً ألا تكون الضفة ساحة عمل عسكري، وإعطاء فرصة للسلطة من أجل قطف ثمار مشروع القرار المطالب بتحديد سقف زمني لإقامة الدولة وإنهاء الاحتلال.
مثلاً، «حماس» تبنت في بيان لها منفذ عملية دهس إسرائيليين في حي الشيخ جراح أخيراً، الشهيد إبراهيم العكاري، وقالت إن العملية «رد طبيعي على جرائم الاحتلال في الأقصى»، لكنها في الوقت نفسه لم تؤكد نيتها نقل المعركة إلى القدس أو الضفة، كذلك لم يتضح من المقاومة أو الاحتلال إن كانت تلك العمليات فردية ثم تبنتها الفصائل، أو خُطط لها مسبقاً. لكن المتحدث الرسمي باسم «حماس»، سامي أبو زهري علق باقتضاب: «العملية مؤشر على أن الأوضاع مهيّأة للانفجار في ظل استمرار جرائم الاحتلال»، مكتفياً بدعوة «أبناء الشعب الفلسطيني إلى حماية الأقصى بكل ما أوتوا من قوة».
أما موقف «الجهاد الإسلامي» التي تبنت الشهيد معتز حجازي، مطلق النار على الحاخام المتطرف ايهودا غليك، فبقي في الدائرة نفسها، إذ قال القيادي في الحركة، خالد البطش، إن عمليتي الدهس «تعبير عن حالة السخط التي يعانيها أهالي القدس والضفة، وتأكيد لرفضهم حالة التهويد المتواصلة». وانتقد البطش، في تصريحات إذاعية، ضعف التحرك الديبلوماسي لوضع حد لما يجري في الأقصى.
هذا كله يعطي مؤشراً واضحاً على أن القرار السياسي الفلسطيني لم يرتق بعد إلى مستوى الغليان الشعبي، وليس لدى الفصائل ما يمهد الطريق أمام مواجهة مشابهة لانتفاضة الأقصى عام 2000 التي جاءت رداً على اقتحام رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، أرئيل شارون، باحات الأقصى.
في المقابل، لم تتبنّ الأذرع العسكرية بصورة مباشرة العمليات التي لا يزال التقدير أنها فردية، لكنها أيضاً باركتها بعد وقوعها مباشرة. وتفسر مصادر في كتائب القسام (حماس) الحالة بأنها انعكاس «للواقع الضبابي بعد خروج غزة من حرب كبيرة أخيراً»، وذلك في ظل عجز الضفة «التي تقع تحت سطوة الأجهزة الأمنية للسلطة» عن خوض انتفاضة. وقالت تلك المصادر لـ«الأخبار»، إن «استمرار حالة القمع والترويع التي تمارسها أجهزة أمن عباس في الضفة انعكس سلباً على التفاعل الشعبي ضد الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة»، مكررة الدعوة إلى وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال.
وكل ما قدمته مصادر «القسام» أن موقف المقاومة هو الإعداد لأي جولة مقبلة، «وهذا بدأ بعد ساعات من وقف النار، ويومياً تسمع أصوات صواريخ تجريبية»، مذكرة بأن الحرب الأخيرة على غزة بدأت بعد «الجنون الإسرائيلي في القدس والضفة، لكننا نلتزم الآن اتفاق التهدئة مع أنه يظهر أن العدو يتهرب من التزاماته»، وهو ما يعني أن إمكانية الرد مرتبطة بمصير التهدئة، فيما على أبناء القدس والضفة الصبر حتى يأتي «رد الفصائل».