لم أكن يوماً من متتبعي برامج المواهب، ولم تستهوني أبداً متابعة أخبار المشاركين في تلك البرامج لكثرتها أولاً، ولسخافة بعضها ثانياً. ولكنني رأيت نفسي مضطرة، للأسف، إلى مواكبة موضة برامج المواهب بسبب كل ما قُيل ولا يزال يُقال عن مشاركة الفلسطينيين في تلك البرامج، من البرامج المتزنة التي تقدم فعلاً فناً راقياً إلى برامج "طق الحنك" التي لا تزال تجد لنفسها حيزاً تلفزيونياً وجمهوراً متابعاً في عالمنا العربي.
لا يمكن لأحد أن يتجاهل موهبة المشاركين الفلسطينيين في برامج المواهب، وخصوصاً الغنائية منها. فمن فوز المشترك محمد عسّاف السنة الماضية في برنامج محبوب العرب، إلى مشاركة كل من منال موسى وهيثم خلايلة في البرنامج نفسه بموسمه لهذا العالم، إلى حُمى فلسطين التي أصابت المتتبعين العرب بين مشجع وغير مشجع لأسباب أكثرها سياسية ولا تمت إلى تقييم المواهب بصلة.
يرى بعض المتابعين لبرامج الغناء في دعم مشترك من فلسطين قضية وطنية، بغض النظر عن مدى الإقتناع بموهبة المشترك، وبالرغم من وجود مواهب أخرى غير فلسطينية تستحق الدعم والتصويت. أما المشاركين، فحدث ولا حرج... فهم بمناسبة وغير مناسبة عليهم أن يذكروا الجميع أنهم فلسطينيون، من خلال الظهور باللباس التراثي أو الحطّة، أو غناء أغنية شعبية فلسطينية.
ليس معيباً أن تفتخر ببلدك، ولا أن تعرّف الناس بتراثك، بالعكس كلنا نطمح إلى ذلك، ولكن بمقدارٍ معقول يستطيع الجمهور هضمه، فمن المعيب فعلاً أن تستغل عاطفة الناس تجاه قضيتك وكأنك لو استطعت أن تنطقها علانية لفعلت "شفتوني؟ أنا فلسطيني، شايفين الكوفية؟ صوتولي!". هذا كله يبقى بسيطاً مقارنةً بما جرى على صفحات التواصل الاجتماعي في الأسابيع القليلة الماضية من حرب شرسة بين من وصف منال موسى بـ"العميلة" بعد لقائها أحد نواب الكنيست الإسرائيلي، وبين رد منال موسى التي لم تتردد بالقول عبر صفحتها على فايسبوك: "وين كنتوا لما كنت بغني أغاني وطنية ببلاش؟!". كله هذا يحدث خارج إطار التقييم الفعلي للموهبة التي جعلت من منال وغيرها مشتركين أقوياء في برنامج محبوب العرب.
ألا يمكننا أن نتعاطى مع الفنان الفلسطيني على أنه فنان فقط بمعزل عن جنسيته وقضيته الوطنية؟ ألا يمكننا أن ننظر إليه كرسام ومغن وعازف ومصوّر؟ ألا نستطيع أن ننظر إلى الموهبة خارج نطاق الجغرافيا الضيقة وكل ما تحمله من حصار؟ فالإبداع لا يعرف جغرافيا ولا حدود، والمبدع حدوده السماء إذا ما أراد فعلاً الوصول إلى كل الناس، ومن يريد منهم التسلق على قضيته للوصول، لا يستحق حب أحد.