أضحت توجيهات وزارة الكهرباء وإعلاناتها المتعلقة بتوفير الطاقة الكهربائية وترشيد استخدامها، نكاتاً يتبادلها السوريون ساخرين. فقد أصبحت الكهرباء ضيفاً ثقيلاً على البلاد، بحكم الاستهداف المتكرر لمحطات توليد الطاقة. بدأت الحكاية مع رفض المتظاهرين لـ«كهرباء الأسد»، بحجة أن «نور الإسلام يكفيهم»، كما ردّدوا في بعض الشعارات.
ومنذ بداية التسلح في البلاد، ومحطات التوليد الكهربائية والغاز والنفط عرضةً للهجمات، تحت ذريعة شلّ النظام وإحراجه أمام قاعدته الشعبية، إنما في الواقع بدأ الشلل يصيب مرافق الدولة الحيوية ومصالح الناس في كل المناطق، ممن ضاقوا ذرعاً بالتخريب. ورغم أن الأعباء زادت على السلطة الحاكمة في سوريا، غير أنها استمرت في السيطرة على المواقع الأكثر أهمية في البلاد، محاولة تحييد المرافق الأساسية التي تؤثر بشكل مباشر على العاصمة، بالإضافة إلى الساحل والمنطقة الوسطى. وبعد كل هجمة على إحدى المحطات، وأبرزها: الزارة ومحردة وشاعر، كانت الحكومة السورية تتكلف ملايين الليرات لإصلاح ما تدمّر، فيما شكاوى المواطنين تتواصل، من ازدياد ساعات التقنين وفقدان مواد الوقود. ومع دخول فرق الصيانة إلى داخل حقل شاعر الغازي، شمال مدينة حمص، يتضح هول المشكلة التي تواجه الحكومة السورية. فالحقل الذي استعادته قوات الجيش منذ أيام، بعد خسارته مرتين إثر سيطرة مقاتلي «الدولة الإسلامية» على آباره، كشف أن مخزون الغاز في محافظة حمص أضحى يساوي صفراً، بحسب تصريح المحافظ لـ«الأخبار». أكثر من عشرة أيام هي وقت متوقع لبدء تخزين كميات من الغاز كمخزون احتياطي جديد. الأيام الفائتة عاشها السوريون بالكثير من الخيبة؛ فالمطاعم أغلقت أبوابها في وجه زبائنها، أثناء رحلة البحث عن طاقة بديلة لطهو الطعام، وهي مهمة مستحيلة.
المطعم مغلق
بسبب عدم توافر الغاز. جملة على باب أحد المطاعم
يتداول السوريون أسماء المطاعم التي لم تقفل في عز الأحداث الأمنية المخيفة، والتي استسلمت أخيراً لهول الواقع السوري وأوقفت خدماتها. أزمة توقف حقل شاعر عن العمل أدت إلى نقص الغاز، ما خلّف تأثيراً سلبياً على نسبة الكهرباء المولَّدة، نظراً إلى اعتماد محطات التوليد على الوقود (نفط - غاز). ضرب الحقل الغازي جاء في الوقت غير المتوقع بالنسبة إلى المسؤولين السوريين. ففيما كانت الحكومة تتجهّز لتأمين احتياطي المحافظات السورية من الديزل، بحكم زيادة الطلب الكبير على الطاقة الكهربائية والمحروقات شتاء، أدت ضربة المسلحين لأكبر حقول الغاز السورية إلى انعدام المخزون الاحتياطي من الوقود، وزيادة ساعات التقنين الكهربائي بشكل مبالغ به. 4 ساعات كهرباء يقابلها ساعتان من الظلام، هكذا شاءت الحكومة السورية أن تحلّ المسألة مؤقتاً. يروي حسن، صاحب مقهى في دمشق، أن عودة التيار الكهربائي مدة ساعتين، غير كافية لشحن «البطاريات» الكهربائية، التي تعمل، لمدة 4 ساعات متواصلة، تعويضاً عن قطع التيار الكهربائي. ويتابع الرجل شرح الأمر، بقوله: «ليست المشكلة في تأمين سعر المازوت المتزايد لتشغيل المولدات، بل في عدم توفّره أساساً بالكميات المطلوبة. أصبحنا نفتقد الذكاء في تأمين بدائل معقولة، في ظل انقطاع كل شيء». ساعات التقنين تزداد مع ابتعاد المناطق عن مراكز المدن.
المستشفيات تأثرت بدورها، إذ أصبحت تستقبل الحالات الطارئة حسب درجة خطورتها. يروي أحمد، طبيب في مستشفى في اللاذقية، أن «مهمة قسم الإسعاف أصبحت التأكد من مدى إلحاح العملية وإمكان تأجيلها إلى وقت آخر، فيما إذا كان ذلك غير مؤثر على سلامة المريض». ويتابع: «الأولوية للمستشفى العسكري وحاجات جرحى الجيش، في حين أجّل المستشفى، كسائر المستشفيات الخاصة، ما يمكن تأجيله من عمليات جراحية غير مستعجلة، وذلك بسبب الاعتماد على مخزون المازوت لتشغيل المولدات الكهربائية، بهدف تلبية المتطلبات الطارئة». في حين تشير رنا، ربة منزل في ريف اللاذقية، إلى أن «الهواء هو الشيء الوحيد الذي لم ينقطع في البلاد»، إذ إن «المدينة التي قدمت عدداً هائلاً من الشهداء أضحت مكاناً صعباً للحياة». وتضيف: «قالوا لنا إن سبب التقنين الإضافي في ساعات الكهرباء هو سقوط حقل شاعر في يد داعش. شتاء تعيس بلا كهرباء أو وقود، ويأتي الحل المؤقت بالنسبة إلى عائلة فقيرة كعائلتي، قطع فروع الأشجار اليابسة، إن ترك لنا «العفّيشة» حطباً من الأحراج أساساً».
«المطعم مغلق بسبب عدم توافر الغاز»، يسخر نادر، طالب من حمص، من الجملة التي قرأها على باب أحد مطاعم حي الحمراء، وسط المدينة. «كلما توقّعنا اقتراب إيجاد حلول لمآسي الحرب ومعاناتها، تأتي ضربة تفقدنا القدرة على احتمال الظروف الصعبة التي تواجهنا»، يضيف. ليتابع: «أولى المدن المتأثرة بكل الظروف في البلاد هي حمص. أولى المدن التي تفقد مخزونها، وأولى المدن التي تمارس الحكومة الضغوط عليها. وكأن ثمن الأزمة يجب أن يُدفع من جيب أهلها». مدير كهرباء حمص مصلح الحسن أكد لـ«الأخبار» أن عودة منظومة الكهرباء إلى سابق عهدها مرتبطة بالظروف المحيطة، واعداً بأن يلمس المواطنون تغييراً إيجابياً، ولا سيما بعد عودة حقلي شاعر وجحار إلى العمل خلال الأيام المقبلة. ويحدد الحسن التغيير الإيجابي بخفض ساعات التقنين التي زادت من سخط المواطنين، آملاً منهم التعاون والصبر، وترشيد استخدام الطاقة الكهربائية. محافظ حمص طلال البرازي أكّد، بدوره، أن المدينة أضحت تستهلك 60% فقط، من حاجتها الحقيقية من الوقود، وذلك بدءاً من بداية الشهر الجاري. اتهام المسؤولين بالتقصير الدائم يتناسب مع تكثيف المسلحين ضرباتهم على المواقع الحيوية لإحراج السلطات السورية المطالَبة أمام شعبها بإدارة ناجحة للأزمة القائمة والتحسّب للصعوبات المحتملة.




اعتقلت السلطات السورية، أمس، المعارض لؤي حسين على الحدود اللبنانية «خلال مغادرته البلاد للقاء عائلته»، ووجهت له تهمة «وهن نفسية الأمة»، بحسب ما أفاد «تيار بناء الدولة السورية» الذي يترأسه. وذكر البيان أن الاعتقال جاء «في إطار حركات قمع الحريات السياسية المستمرة التي يقوم بها النظام السوري بحق السياسيين والمعارضين». وذكر نائب رئيس التيار، المحامي أنس جودة، في بيان لاحق، أنه «تم تحويل حسين إلى قاضي التحقيق الأول تحت مجموعة من التهم الجاهزة والمفصلة من قبل النظام السوري لأي ناشط سياسي معارض؛ ومنها إضعاف الشعور القومي ووهن نفسية الأمة».
(أ ف ب)