يعكس الاجتماع الثلاثي في العاصمة الأردنية، يوم أمس، وضم وزير الخارجية الأميركي جون كيري، والملك الأردني عبد الله الثاني، ورئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو، مستوى القلق الثلاثي من تداعيات الحراك الشعبي الفلسطيني، والخوف من تمدده نحو انتفاضة شعبية واسعة تشمل أراضي الـ48. ويكشف هذا الاجتماع، بطريقة أو أخرى، حقيقة أن الشارع الفلسطيني فرض نفسه على صناع القرار، وهو ما يؤشر إلى عنصر قوة يمكن البناء عليه إذا توافرت الإرادة السياسية.
وبرغم أن لكل من الأطراف الثلاثة التي شاركت في الاجتماع أهدافه الخاصة، فإنها متفقة على كيفية احتواء الحراك الشعبي الذي أحرج الجميع، ووضع القيادتين الفلسطينية والأردنية أمام اختبار جديد، كما حصر الخيار باتجاه المشاركة في خطة احتواء الشارع من دون أي إنجازات فعلية، أو حمايته وتثميره في سياق حركة الصراع حتى لو كانت وفق منطق التسوية التي تتبناه السلطة!
وسبق هذا الاجتماع لقاء ثنائي بين عبد الله ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بيوم، ولقاء آخر بين عباس وكيري، لكن التطور الفلسطيني كان هذه المرة من بوابة الحراك الشعبي، وقد أعطى للأميركيين بعداً جديداً يعزز الحاجة إلى التسوية على المسار الفلسطيني، بل هي رؤية تتشارك فيها السلطة وعمان.

أما بالنسبة إلى الإسرائيلي، فهو مضطر إلى مجاراة هذه الرؤية عبر تأكيد الحاجة إلى تسوية، وإن كان من المستبعد أن يذهب بعيداً عن شعاراته وثوابته، فجل ما يوافق عليه في هذه المرحلة هو ما يسمح له باحتواء الحراك الشعبي وإخماده.
بعيداً عن معزوفة إعادة التشديد على تحريك عملية التسوية وإقامة دولة فلسطينية، ليس أمراً طبيعياً غياب محمود عباس عن اللقاء الثاني (الثلاثي)، وخاصة أنه المعني الأول بمضمونه ونتائجه. مع ذلك، يتضح أن هذا الغياب يأتي تلبية لمطلب إسرائيلي عام ومن نتنياهو خاصة، والأخير لا يزال يواصل توجيه الاتهامات إلى «أبو مازن» وتحميله مسؤولية «التحريض».
ولا يخفى أن اللقاء المباشر في هذه المرحلة بين نتنياهو وعباس، سيشكل ورقة بيد خصوم الأول من معسكر اليمين، لأن رئيس وزراء العدو كان يحرص على تظهير الوجه الأكثر يمينية في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وهو ما يربطه كثيرون من المعلقين بتهيئة الأجواء لانتخابات مبكرة.
في كل الأحوال، كان هدف الاجتماع الثلاثي، وفق بيان صادر عن الديوان الملكي الأردني، «بحث سبل إعادة الهدوء وإزالة أجواء التوتر في القدس». وأضاف البيان أن الاجتماع بحث في «تهيئة الظروف الملائمة لإحياء مفاوضات السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي». وكان الملك الأردني قد أكد، خلال استقباله جون كيري، أهمية الدور الأميركي في تهيئة «الظروف المناسبة من أجل إحياء السلام»، وذلك بالعودة إلى فكرة أن المملكة تملك الحق بالإشراف على المقدسات الإسلامية في مدينة القدس المحتلة بناء على معاهدة التسوية بين الأردن وإسرائيل.
على صعيد المواجهات، أكد وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، يتسحاق اهارونوفيتش، أن الاحتجاجات الفلسطينية آخذة بالانحسار، برغم أنه توقع استمرار ما سماها «الاضطرابات» وإن كانت بوتيرة أقل. وأوضح اهارونوفيتش أن الأيام الأخيرة «شهدت انخفاضا في أعمال العنف»، عازيا ذلك إلى الإجراءات الحاسمة التي اتخذتها الشرطة ضد المحتجين، لكنه حذر من أن وقوع هجمات جديدة من «أشخاص يعملون بانفراد» لا يزال أمرا محتملا.
وكان أهارونوفيتش قد أعلن، قبل يومين، أن أعضاء الكنيست ومن وصفهم بالزوار اليهود سيُمنعون، إذا اقتضى الأمر، من الدخول إلى الحرم القدسي، وذلك لتجنب «تدهور الوضع الأمني المتوتر في القدس الشرقية ومختلف نواحي البلاد»، وكما هي العادة الإسرائيلية في توظيف كل موقف، أضاف الوزير الإسرائيلي في مقابلة مع القناة الأولى في التلفزيون الإسرائيلي أن «أولئك الذين يريدون تسخين الأمور في جبل الهيكل، من اليمين أو اليسار، أكانوا في الحركة الإسلامية، أو الحركات اليمينية الإسرائيلية، وحتى أعضاء الكنيست، فإننا سنمنعهم من الذهاب»، مشدداً على أنه «عندما تكون هناك حاجة للتصرف، ونرى أن ذلك قد يؤدي إلى أعمال شغب، سأمنعهم (الوزير) من الذهاب»!