القاهرة | صدمة الفيديو الذي نشرته جماعة «أنصار بيت المقدس» التي أصبح اسمها "ولاية سيناء" عبر موقع «اليوتيوب» صباح السبت، أصابت المصريين بالقلق. صحيح أن إدارة الشؤون المعنوية أمرت جميع المحطات التلفزيونية المصرية والمواقع الإلكترونية بعدم نشره أو إذاعته والاكتفاء بالتعليق عليه، بالإضافة إلى مخاطبة «يوتيوب» لحذفه، إلا أن هذا الأمر لم يمنع من زيادة انتشاره ومشاهدته.
مبرر إدارة الشؤون المعنوية في القوات المسلحة في مخاطبة الإعلاميين "لم يكن في التضييق عليهم"، على ما تفيد مصادر سيادية، ولكن في ضرورة "مراعاة مشاعر أسر الشهداء الذين سقطوا خلال تلك العمليات، وخاصة مع ظهورهم في أوضاع مأسوية قبل استشهادهم وظهور إشارات الشماتة في قتلهم وبث الرعب في قلوبهم خلال اللحظات الأخيرة وقبل إطلاق الرصاص عليهم، وما برز في أكثر من مشهد بالفيديو؛ أبرزها مشهد تصوير مجند شبه عار وتصفيته خلال حادث استهداف كمين كوم القواديس».
الأمر الذي رسخه الفيديو لدى الآلاف من المصريين، على ما تفيد المصادر نفسها، "هو صحة قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي بإخلاء المنازل على المناطق المتاخمة للحدود مع قطاع غزه، بل وحد الفيديو القوى السياسية المعارضة للرئيس من أجل دعمه في مواجهة الإرهاب المنظم الذي تتعرض له سيناء".
في المقابل، كشف الفيديو عن كذب رواية الجيش في التدخل السريع من أجل إنقاذ جنود كمين «كوم القواديس» خلال مهاجمته، فلقطات الفيديو المصورة أظهرت استمرار أعضاء الجماعة فترة لا تقل عن ساعة من أجل تنفيذ عمليات القتل والاستيلاء على الذخائر، كما أوضح ضعف القوات وعدم جاهزيتها للتعامل مع أي اشتباك مفاجئ رغم امتلاء الخزائن بالسلاح وارتدائهم القمصان الواقية، فعدد المهاجمين كان تقريباً نفس عدد الجنود مع فارق التدريب والجرأة.
ردّ الجيش على الفيديو بنشر فيديو متواضع لتحرك القوات في سيناء


وأظهر الفيديو الذي نشر بعنوان «صولة الأنصار» مهارات فائقة للجماعة التي تنفذ عمليات عدة في سيناء على مدار الشهور الماضية، المهارات ليست في القتل والقنص واستهداف رجال الشرطة فحسب، ولكن أيضاً في التصوير واستخدام تقنيات الغرافيك ومونتاج لقطات الفيديو قبل عرضه، بالإضافة إلى ما يشبه الموسيقى التصويرية التي جاءت بأناشيد حماسية بصورة غير مسبوقة تمكنت من إيصال الرسالة، لا إلى رجال الشرطة والجيش فقط ولكن أيضاً إلى المواطنين الذين صدمتهم مشاهد القتل وحرية الحركة التي تمتع بها الإرهابيون خلال استهداف الكمين.
كذبت الفيديوات ادعاءات الجيش بالسيطرة على الأوضاع في سيناء، فأظهر الفيديو الحرية التي يتحركون بها في سيناء، بالإضافة إلى قدرتهم على تصوير عمليات استهداف سيارات الشرطة والمدرعات بسهولة، وقتل عدد كبير من الجنود.
الجماعة عرضت فيديو لمنفذ العملية الانتحارية أبو حمزة الأنصاري يتوعد فيه الرئيس المصري والجيش في سيناء، فيما استشهدت بفتوى لشيخ الإسلام ابن تيمية من أجل تبرير استهداف الجنود باعتبارهم مستمرين بالخدمة في الجيش ولم يتعظوا من استهداف رؤسائهم خلال الفترة الماضية.
الفيديو لم يخل من الرسائل الدينية التي جاءت من خلال الاستشهاد بالآيات القرآنية التي يرون فيها تأكيداً لرسالتهم الدينية، فيعتبرون أن تحرير المسجد الأقصى لن يتم إلا من خلال تحرير سيناء من الجيش المصري الذين وصفوه بـ«جند السيسي عملاء اليهود»، بينما استشهدوا بفقرات من كتاب «كلمة حق» للشيخ أحمد محمد شاكر. لم يكن الفيديو رسالة للنظام المصري فقط ولكن للمملكة الأردنية أيضاً، فخلال الفيديو تم بث مقطع تفجير خط الغاز الموصل إلى المملكة، مصحوب برسالة تؤكد أن الغاز المصري لن يصل إلى عمان دون موافقة أمير المؤمنين، وهو ما عبر بوضوح عن أن الأردن على أجندة الأماكن المستهدفة من التنظيم خلال الفترة المقبلة.
ورغم أن الجدل عن مبايعة «أنصار بيت المقدس» لتنظيم «داعش» لم يبدأ إلا منذ 3 أسابيع تقريباً، إلا أن الفيديو أظهر المبايعة وهو يعبر عن وجودها منذ فترة طويلة، وخاصة أن الفيديو عرض عمليات نفذت منذ شهور، وليس خلال الأسابيع القليلة الماضية.
رد الجيش الرسمي جاء بنشر فيديو متواضع عبر مواقع التواصل لتحرك القوات في سيناء، بينما قالت مصادر عسكرية لـ«الأخبار» إن الفيديو المنشور محاولة فاشلة لإرهاب المصريين في محاولة منهم لتقليل الروح المعنوية لمقاتلي الجيش المصري، مؤكدةً أن أعضاء «أنصار بيت المقدس» يسعون من خلال نشر هذه الفيديوات إلى خدمة أجندتهم الخاصة التي تتطلب توفير تمويل دولي، وهو ما لن يتوفر دون نشر مشاهد دموية وتتخذ من الإسلام ستاراً لها.وأضافت المصادر إن الجماعة تحاول إثبات وجود لها على الساحة بعد تضييق الخناق عليهم براً وبحراً وجواً، لافتة إلى أنهم يسعون إلى قياس رد الفعل العسكري والإعلامي والجماهيري عقب نشر الفيديو ومدى تأثيره على معنويات المواطنين.
مصدر أمني تحدث لـ«الأخبار» عن أن الفيديو تم بثه من موقع ما في تركيا، وتم رفعه مرة أخرى بعد حذفه من موقع آخر، ثم بثه مجدداً من إحدى الدول العربية ـ رفض ذكر اسمها لأسباب دبلوماسية ـ لافتاً إلى أن اللجان الإلكترونية لوزارة الداخلية المصرية رصدت تحميلاً آخر لهذا الفيديو من مدينة رفح الفلسطينية.
الخبير العسكري اللواء سامح سيف اليزل، كشف أن المعلومات الأولية تتحدث عن بث الفيديو من قطر، وفق ما رصدته أجهزة الأمن المصرية، مشيراً في حديث إلى «الأخبار» إلى أن هناك أجزاء لم يتم تصويرها في سيناء واستخدمت في الفيديو للتأثير على الروح المعنوية للمصريين.
وأضاف اليزل إن الجيش يواجه حالة حرب حقيقية في سيناء ويفرض سيطرته على العديد من المناطق.