غزة | يفيد خبراء مال واقتصاد فلسطينيون بأن حجم الخسائر الناجمة عن غياب عملة فلسطينية يصل إلى نصف مليار دولار سنوياً يمنى بها الاقتصاد الفلسطيني الذي لا يزال واقعاً تحت تبعية، أو بالأحرى احتلال، نظيره الإسرائيلي. وفيما يخسر الفلسطينيون هذا المبلغ سنوياً، يكسب الاحتلال أرباحاً كبيرة تُقدَّر بنحو 4 مليارات شيقل (1.05 مليار دولار).
ويتعامل الفلسطينيون في الضفة المحتلة وقطاع غزة بأربع عملات أجنبية هي الشيقل الإسرائيلي الذي يقدر حجم التداول به بنحو 4 مليارات سنوياً، والدولار الأميركي الذي يجري التعامل بمليارين منه سنوياً في الضفة وغزة، ثم الدينار الأردني ويجري تداول مليار منه، بالإضافة إلى مبالغ غير محددة من اليورو الأوروبي.
وفي ظل غياب بنك مركزي فلسطيني يتعذر إصدار عملة فلسطينية، علماً بأن هناك عملة فلسطينية قديمة كانت تحمل اسم الجنيه، وكان الجنيه الفلسطيني الواحد يساوي في قيمته آنذاك الجنيه الإسترليني البريطاني، لكنه أُلغي مع مجيء الاحتلال.
رغم ذلك، يرى أستاذ الاقتصاد في الجامعة العربية الأميركية (مدينة جنين)، نور أبو الرب، أن تكلفة إصدار العملة «بسيطة للغاية»، مستدركاً: «العملة تحتاج كي تكبح الخسائر إلى اقتصاد قوي يتحمل التبعات في حال حصول الإصدار، وخاصة في ظل الوضع السياسي المترنح».
ويشرح أبو الرب أن تعدد العملات في الضفة وغزة ينتج ترنحاً في القوة الشرائية التي تتضمنها ورقة 100 دينار أو 100 دولار، «لأن هذه العملات تتبع أسعار الصرف المتغيرة من وقت إلى آخر، وهكذا سينتج فارق كبير بين ما تحمله قيمة الورقة نفسها، وبين قيمتها في السوق عند تحويلها إلى عملة أخرى». وأوضح في الوقت نفسه أنه إذا اتسع هذا الفارق، «قلت القوة الشرائية للورقة، وهو ما يتحمله المواطن الفلسطيني الذي يخسر جزءاً كبيراً من ماله، وأيضاً الخسارة ستصل الاقتصاد الوطني».
ولأسباب غير واضحة، ارتبطت بعض أنواع التجارة بعملة معينة، إذ إن شراء الأراضي وتكاليف الزواج والرسوم الجامعية يكون بالدينار الأردني، فيما تباع الشقق السكنية والسيارات بالدولار، ويبقى الشيقل الإسرائيلي للتعامل اليومي. لكن أبو الرب يؤكد أن إسرائيل تستفيد من تعامل الفلسطينيين بعملتها، «لأنه ببساطة الخسائر التي تغرق فيها السوق الفلسطينية تعود بأرباح ضخمة على السوق الإسرائيلية».
ويوضح أستاذ الاقتصاد أن سلطة النقد الفلسطينية الحالية (القائمة بأعمال البنك المركزي) لا تستطيع إصدار العملة الوطنية الخاصة بها، وذلك «بسبب اعتمادها الكلي على السياسات النقدية الخارجية التي تحرك عجلة اقتصادنا دون النظر إلى مدى مناسبتها متطلبات الوضع السياسي». ويرجع سبب العجز إلى أن الاتفاقات الاقتصادية التي وقعتها السلطة ضربت العمق الاقتصادي وحرمت الفلسطينية السيادة المالية.
ويصبّ كثيرون من الاقتصاديين غضبهم على بروتوكول باريس الاقتصادي عام 1994 بين منظمة التحرير والاحتلال، وبموجبه التزمت السلطة قبول عملة الشيقل في التعاملات الفلسطينية على المستويات الرسمية وغير الرسمية.
قبل هذا الاتفاق كان التعامل بالأوراق والقطع النقدية الفلسطينية في الأردن والضفة حتى عام 1949 عندما بدأت عمان إصدار الدينار الأردني. أما في غزة، فحل الجنيه المصري محل الجنيه الفلسطيني عام 1951. وفي الأراضي المحتلة، استمرت المعاملة بالجنيه الفلسطيني حتى 1952، لكن المؤسسة المصدرة للأوراق المالية كانت شركة إنكلترا فلسطين التي كانت تابعة للمنظمة الصهيونية العالمية، ثم في أوائل الخمسينيات أنشأت إسرائيل بنكاً مركزياً أصدر الليرة الإسرائيلية، ثم الشيقل الإسرائيلي، وأخيراً الشيقل الإسرائيلي الجديد.
أما عن آلية خسارة نصف مليار دولار سنوياً، فيعقب أبو الرب: «عند النظر داخل اقتصاد دولة ما نرى أن هناك توازناً بين صادرات البلد ووارداتها، لكن عند حدوث فائض في الميزانية يرجع هذا إلى ارتفاع نسبة الصادرات عن الواردات، ما يؤدي إلى تعزيز قوة هذه الدولة واقتصادها». واستدرك: «الاقتصاد الفلسطيني يعتمد كلياً على الواردات التي تغرق السوق الفلسطينية، وتسعّر هذه الواردات بقيمة العملة غير الوطنية كالدولار».
ويخسر المواطنون كثيراً عند ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الشيقل، ما يؤدي إلى غلاء مباشر في السوق يتحمله الاقتصاد الفلسطيني الضعيف الذي يعتمد على المساعدات الخارجية بالإضافة الى النفقات التشغيلية والرواتب العالية، ومن هنا تنشأ الأزمة داخل الميزانية.
يشار إلى أن السلطة الفلسطينية تعتمد على أربعة مصادر رئيسية للتمويل، هي: الضرائب المحلية، والإيرادات غير الضريبية، وهذان المصدران يرفدان نحو 30% من الإيرادات الكلية للسلطة، ثم تأتي إيرادات المقاصة وهي الضرائب على الواردات السلعية، ومن المفترض أن تحولها إسرائيل شهرياً للسلطة وفقاً للبروتوكول الموقع عام 1994، وأخيراً المساعدات المالية الخارجية التي تعتمد عليها رام الله اعتماداً كلياً لتمويل العجز في موازنتها العامة.
انخفاض صرف الشيقل الإسرائيلي مقابل الدولار أدى إلى غلاء الأسعار بنسبة 15%


مقابل التضخم الاقتصادي، وتشوه الأسعار النسبية، وارتفاع مخاطر النشاط الاقتصادي لبعض التجار الفلسطينيين، تنخفض القوة الشرائية لمدخرات الناس داخل البنوك، لذلك يذكر أبو الرب أن كثيرين يلجؤون إلى الادخار بالدولار أو الدينار أو عملات أخرى للمحافظة على فرق الأسعار في حال الارتفاع والانخفاض.
وفي حال توافر الشروط لإنتاج عملية محلية سيصير هناك قدرة على التحكم بالاستقرار المالي والنقدي، «لأن وجود عملية أهم أدوات السياسة النقدية التي تجعل للبنك المركزي قدرة على التدخل للمحافظة على الاستقرار الاقتصادي والتحكم بسعر الفائدة علواً وانخفاضاً»، وفق أستاذ الاقتصاد.
على جانب غزة المحاصرة، يلفت المحلل الاقتصادي نافذ أبو بكر إلى مشكلات الاعتماد على عملات أجنبية في القطاع، «ومنها على سبيل المثال الحاجة إلى إمدادات دائمة من عملة الشيقل الإسرائيلي، وفي حال النقص فإن البنوك في غزة لا تجد سيولة كفيلة بتسيير العمل اليومي». لكن أبو بكر كان على عكس المطالبين بعملة فلسطينية، قائلاً إنه ليس من مصلحة اقتصادنا أن يكون لديه «عملة لوجود سياسة تخضع لقيود واتفاقات مع الجانب الإسرائيلي».
ويرى أبو بكر أن الشعب الفلسطيني يعيش حالة استهلاكية، «لذلك سيبقى مضطراً إلى الاستيراد من الدول الخارجية التي تبيع له بعملة الدولار، والأخيرة ارتفع سعرها ما نتج منه ارتفاع الأسعار بنسبة 10-15%»، مضيفاً أن انخفاض سعر صرف الشيقل (من 3.5 مقابل الدولار الواحد إلى 3.8) يضر الطبقة الفقيرة التي تضع ادخاراتها بهذه العملة، «ما يزيد المديونية عليهم».