■ بداية، راهن الكثيرون، سابقاً، على تفكك «الجبهة الشعبية»، التي تجمع 10 أحزاب، لكنها تماسكت، فما السبب؟راهن العديد على اندثار الجبهة، بل هناك من توقع تفككها بعد أشهر على اعتبار وجود اختلافات في مشارب مكوناتها الفكرية والأيديولوجية، مرجحين انقسامها عند أول امتحان سياسي. موقف الأعداء وبعض الأصدقاء المتشائمين، مرده تاريخ قوى اليسار والقوميين والقوى الديموقراطية والتقدمية في تونس والمعروفة بتشتتها، وكما قال الشهيد شكري بلعيد «هذه القوى تعلمت كيف تختلف ولم تتعلم كيف تتوحد»، لكن الذين راهنوا على انفجار الجبهة لم يدركوا عمق التحليل الذي أجريناه قبل تأسيسها...

■ بعد خوض تجربة الانتخابات التشريعية ومن ثم الرئاسية، أين تتموقع «الجبهة» ضمن المشهد السياسي التونسي؟
الجبهة الشعبية اليوم هي القوة السياسية الثالثة في البلاد. وبالعودة إلى نتائج الانتخابات التشريعية، التي وضعتها في الترتيب الرابع، فهي (برغم ذلك) القوة السياسية الثالثة، على اعتبار أن من يفوقها بمقعد واحد (الاتحاد الوطني الحر) ليس حزبا سياسيا بل طرف يرتبط وجوده بالمال السياسي، وحصوله على هذا العدد من المقاعد، يذكرنا بالعريضة الشعبية وما حصدته في انتخابات 2011... لكنها اندثرت اليوم واضمحلت من الساحة.
وبين التشريعية والرئاسية استطاعت الجبهة أن تضاعف عدد الأصوات المتحصلة عليها. وبالأخذ بعين الاعتبار كامل المشهد، لا يزال الوعي السياسي للطبقات الشعبية، التي تمثل القاعدة الطبيعية للجبهة الشعبية، يشكو من نقائص كبرى علاوة على امتناع عدد من التونسيين عن المشاركة، وكلها أصوات خسرتها الجبهة، كما يجب مراعاة عامل المال السياسي والمغالطات باسم الدين واستغلال بساطة وقلة وعي ناخبين من الفئات الشعبية، وهي حرة طبعا في اختياراتها، صوتت ضد مصالحها. واذا أخذنا بعين الاعتبار الواقع السياسي، هناك أحزاب كانت موجودة في المجلس التأسيسي وفي الساحة السياسية اندثرت أو تقلص حجمها... وإذا ما نظرنا إلى كل هذه النتائج، يعد ما وصلت اليه الجبهة الشعبية مكسبا على غاية من الأهمية، وخصوصا أن 15 نائبا، هم من خيرة مناضليها، هم ضمانة لخلق توازن داخل البرلمان.

■ عُدّت نتائج الجبهة في الانتخابات التشريعية مكسبا، فماذا عن الانتخابات الرئاسية؟
بالنسبة إلى الرئاسية خطونا خطوة على غاية من الأهمية، باعتبار أن ترتيبنا جاء ثالثاً. وعلى اعتبار أننا واجهنا حركة النهضة في شخص المنصف المرزوقي لأنه مرشحها، وواجهنا اليمين الليبرالي التقليدي في شخص الباجي قائد السبسي، وحصلنا على نتيجة ما كان جل المراقبين ينتظرونها. وهو ما يؤكد أن اليسار التونسي، الاشتراكي والقومي، يتطور ورسخ مكانته في التوازنات السياسية في تونس، وهو حاضن للثورة وأهدافها.

■ وفقاً لتقويمك، ما سبب غياب أحزاب عريقة كـ «الجمهوري» و«التكتل» عن البرلمان؟
منذ عام 2002، أصدرت موقفا بخصوص الأحزاب اللا أيديولوجية التي تقدم نفسها دون هوية وتفتح أبوابها أمام كل التيارات والمواقف، وقلت أنها لن تدوم طويلا لأن غياب الهوية لا يوفر لها استقرارا فكريا وتنظيميا. هي أحزاب كالفقاع تظهر ثم تندثر، هذا بالنسبة إلى الأحزاب التي لم تشارك في السلطة على غرار الجمهوري.
بالنسبة إلى تلك التي شاركت في الحكم كالتكتل والمؤتمر فقد باعت نفسها للنهضة مقابل مناصب، وقضت وقتها في تبرير ما ارتكبته، والشعب عاقب النهضة نسبيا، ولكن عاقبها هي بصرامة لأنه لا يراها أحزابا حقيقية بل يراها في خدمة سيدها، وبالتالي عوقبت أكثر مما عوقب سيدها.
«النهضة» و«التكتل» و«المؤتمر» كانوا
في المعارضة واليوم هم في الحكم، وتحولوا من مقموعين إلى قامعين

■ بالعودة إلى الحديث عن الانتخابات الرئاسية في دورتها الثانية، يعمل «المؤتمر» (حزب المرزوقي) على مغازلة قواعدكم، ما رأيك في ذلك؟
هذا غزل فاشل، فلا أحد في الجبهة الشعبية يحب حزب المؤتمر. لسبب بسيط، وهو أنه مسؤول مع النهضة والتكتل في ما جرى طيلة الثلاث سنوات الماضية من جرائم سياسية واقتصادية وثقافية وأمنية في حق الشعب التونسي. لا يوجد اليوم في القاعدة الانتخابية للجبهة، أو الأحزاب المكونة لها، من تراوده حتى مجرد فكرة التصويت للمرزوقي، فهو اليوم متحالف مع ميليشيات ومع قوى لا تؤمن بالديموقراطية. خطابه يزرع الفتنة بين التونسيين يدفع لتقسيمهم، إما على أسس عقائدية أو على أسس عشائرية وجهوية، وهذا لا يعني طبعا أن الجبهة ستكون آليا إلى جانب الباجي قائد السبسي.
الذين صوتوا للجبهة صوتوا لها كقوة مستقلة وما لاحظناه على الأقل من خلال اتصالاتنا وشبكات التواصل الاجتماعي الحرص من الأغلبية للحفاظ على الاستقلالية، نحن نناقش دورنا في الجولة الثانية، لكن قبل أن تطالب الجبهة بموقف، على الآخرين ان يوضحوا مواقفهم من مطالب التونسيين وطموحاتهم ومن برامج الجبهة وطرحها. بعبارة أخرى ينبغي التوضيح أن الجبهة لا تواجه حلين فقط، إما مع المرزوقي أو مع السبسي، بل هناك حلول أخرى ممكنة تتماشى مع خطنا.

■ «نداء تونس» أيضا يستميل قواعدكم، ويحاول استمالة قياداتكم عن طريق عرض مناصب في الحكومة، أو حتى رئاسة البرلمان، فما تعليقك؟
كل ما يروج له يدخل في باب الحرب النفسية. فمن يقولون بمساندتي للمرزوقي «لأنهما كانا حليفين في جبهة 18 أكتوبر في فترة الدكتاتورية»، يتناسون ما حصل في الثلاث سنوات الأخيرة. نحن اليوم بعد ثورة تغير بعدها المشهد السياسي. النهضة والتكتل والمؤتمر كانوا في المعارضة واليوم هم في الحكم، وتحولوا من مقموعين إلى قامعين. إذاً لا يمكن الاستناد الى عمل مشترك جرى في عهد بن علي لتبرير التقارب، لا تقارب ممكنا اليوم، والقول أيضا بأننا سنتحالف مع نداء تونس في إطار صفقة، فيما أنه لم نخض في الأمر أصلا، وكل ما يدور، هو من باب الشائعات ما لم يصدر موقف عن مجلس أمناء الجبهة.

■ هل اختارت «الجبهة» تأجيل الحسم في دعم قائد السبسي للاحتفاظ بورقة تفاوض؟
لسنا مستعجلين في تحديد موقفنا، ولم نر من أي من المترشحين أي برامج، بل كان الصراع شخصيا بينهما، وها نحن نحصد نتائج تصريحات هذا الطرف أو ذاك، وما أدخلته من فتنة في صفوف التونسيين تستغلها بعض الأطراف المعادية لمطامح الآخرين. الجبهة لا تعرض خدماتها على هذا أو ذاك، بل عليهم أن يعرضوا برامجهم علينا، ونحن لا ننتظر هدايا أو كراسي، ننتظر توضيح مواقف حيال عدة قضايا، وأؤكد أن الجبهة ليست مجبرة على دعم أحد، بل هي منفتحة على أكثر من خيار.

■ هناك قوى داخل «الجبهة» تدفع نحو دعم الباجي قائد السبسي، وهناك قوى تعد هذا التقارب مغامرة، ما تعليقك؟
من سوء حظ التونسيين أننا أمام مرشحين لليمين. يمين محافظ ملتحف بالدين، فالمنصف المرزوقي مرشح جبهة تضم حركة النهضة والسلفية وروابط حماية الثورة وحزب التحرير. أما الباجي قائد السبسي، فهو مسنود من طرف البرجوازية الكبيرة، التي فقدت من يجمعها بعد سقوط بن علي، وهو ليس بشخصية جديدة في الساحة السياسية، فقد شارك في نظام بورقيبة وبن علي، وعُدّ من الجناح اللبيرالي داخل حزب الدستور وغادره، ثم غادر الحياة السياسية منذ تسعينيات القرن الماضي. في كل الحالات لا المرزوقي ولا قائد السبسي يمثل الجبهة الشعبية.
ثمة من يشير إلى ما يميز بينهما، وخاصة من ناحية الأداء السياسي، على اعتبار أن البرنامج الاقتصادي للنداء والنهضة متشابه، وهو برنامج رأسمالي ليبرالي، ويؤكد وجود اختلاف من الناحية السياسية، ولكن ليس على هذا فقط يمكن أن نبني موقفنا... في كل الحالات الجبهة الشعبية لا ترى في الباجي قائد السبسي معبرا عن برامجها. النقاش ما زال مفتوحا، وربما يطلب النداء لقاءنا وسنستمع لوجهات النظر ونعلن موقفنا في الوقت اللازم.

■ ما المطلوب اليوم من مرشحي الانتخابات الرئاسية؟
ما نطلبه من المترشحين، وخاصة من الرئيس المؤقت الحالي (المنصف المرزوقي)، هو التزام الهدوء وحصر النقاش حول البرامج والمقترحات... نطلب منهم الابتعاد عما من شأنه أن يبث الفرقة والتشنج، ونطلب من الرئيس المؤقت الحالي أن يبعد عنه الميليشيات المحلولة بحكم القضاء، ونطلب منه الابتعاد عن دعاة الفتنة من المتطرفين، ونطلب من كليهما أن يفكر مليا في وحدة الشعب قبل التفكير في المصالح الشخصية.





عُرف حمة
الهمامي مناضلا يساريا شرسا في وجه النظام، خلال الحقبة البورقيبية وفترة حكم بن علي. وكان، أخيراً، من أبرز معارضي «الترويكا». التحق، بداية، بالاتحاد العام للطلبة. عام 2010، احتجزه النظام، فتابع الحراك من دهاليز «الداخلية». كان مرشح «الجبهة الشعبية» في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وحل ثالثاً.